responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الإمتاع والمؤانسة نویسنده : أبو حيّان التوحيدي    جلد : 1  صفحه : 323
كذبك، وإن صدقته حربك متمرّدهم صاعقة على المعاملين، وصاحب سمتهم نقمة على المسترسلين، قد تعاطوا المنكر حتّى عرف، وتناكروا المعروف حتّى نسي، يتمسّكون من الملّة بما أصلح البضائع «1» ، وينهون عنها كلّما عادت بالوضائع، يسرّ أحدهم بحيلة يرزقها لسلعة ينفّقها، وغيلة لمسلم يحميه الإسلام، فإذا أحكم حيلته وغيلته غدا قادرا على حرده، فغرّ وضرّ، وآب إلى منزله بحطام قد جمعه مغتبطا بما أباح من دينه وانتهك من حرمة أخيه، يعدّ الذي كان منه حذقا بالتكسّب، ورفقا بالمطّلب، وعلما بالتجارة، وتقدّما في الصّناعة.
فلمّا بلغت قراءتي هذا الموضع قال الوزير: إن كان هذا الوصف عنى العامّة بهذا القول دخل في وصفه الخاصة أيضا، فو الله ما أسمع ولا أرى هذه الأخلاق إلّا شائعة في أصناف الناس من الجند والكتّاب والتّنّاء والصالحين وأهل العلم، لقد حال الزّمان إلى أمر لا يأتي عليه النّعت، ولا تستوعبه الأخبار، وما عجبي إلّا من الزّيادة على مرّ السّاعات، ولو وقف لعلّه كان يرجى بعض ما قد وقع اليأس منه، واعترض القنوط دونه.
فقال ابن زرعة وكان حاضرا: هذا لأنّ الزمان من قبل كان ذا لبوس من الدّين رائع، وذا يد من السّياسة بسيطة، فأخلق اللّبوس وبلى، بل تمزّق وفني، وضعفت اليد بل شلّت وقطعت، ولا سبيل إلى سياسة دينيّة لأسباب لا تتفق إلّا بعلل فلكيّة، وأمور سماويّة، فحينئذ يكون انقياد الأمور الجانحة لها، في مقابلة حران الأمور الجامحة عنها، وذلك منتظر في وقته، وتمنّي ذلك قبل إبّانة وسواس النّفس، وخور الطّباع، والناس أهداف لأغراض الزمان ومقلّبون بحوادث الدهور، ولا فكاك لهم من المكاره، ولا اعتلاق لهم بالمحابّ إلّا بالدواعي والصوارف التي لا سبيل لهم إلى تحويل هذه إلى هذه، ولا إلى تبديل هذه بهذه، واختيارهم للتوجّه إلى محبوبهم أو الإعراض عن مكروههم ضعيف طفيف، ولولا ذلك لكانت الحسرات تزول في وقت ما يراد، والغبطة تملك بإدراك ما يتمنّى، وهذا شأو محكوم به بقوّة النّفس، غير مستيقظ إليه بقوّة الحسّ.
فقال الوزير: أحسنت يا أبا عليّ في هذا الوصف، «وإنّ نفثك ليدلّ على أكثر من ذلك» ، ولو كان البال ظافرا بنعمة، والصّدر فارغا من كربة، لكنّا نبلغ من هذا الحديث مبلغا نشفي به غليلنا قائلين ونشفى به مستمعين، ولكنّي قاعد معكم وكأني غائب، بل أنا غائب من غير كاف التّشبيه، والله ما أملك تصرّفي ولا فكري في أمري، أرى وحدا

نام کتاب : الإمتاع والمؤانسة نویسنده : أبو حيّان التوحيدي    جلد : 1  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست