الطارئة، وربّما من العلم بما يراد لها أن تصل إليه بحيث قال: «لو أنّ بهذا البلد رجلا تأخذه أريحيّة الكرم ... يجمع ... » [105] بينه وبين البديع، فتلقّف خصومه قوله يوجّهونه الوجهة التي يرضونها. ونشط من بينهم أبو الطّيب سهل الصعلوكي فجمع بين أبي بكر والبديع في داره، وحاول البديع أن يجرّ أبابكر إلى شيء مما يمكن أن يسمّى مناظرة فلم يستطع، وظلّ البديع ينتظر أن ينجد هو وأبوبكر- كما يقول- في الفضل ويغوّر، فكان انتظاره سرابا [106] .
ولعلّ ما جعل أبابكر يحجم عن مفاوضة البديع علمه بما ينطوي عليه صدر أبي الطّيب إزاءه. أمّا لماذا حضر داره، واستجاب إلى دعوته، فلعلّ ذلك كان ضربا من مجاملته، وسعيا إلى التخلص من مشكلة البديع الطارئة على أيّ وجه يكون ميسورا.
وهكذا أخفقت المحاولة الأولى في جرّ أبي بكر إلى حلبة البديع، فانعقد العزم على محاولة ثانية لا يرتاب بها كثيرا. وأي ريبة في مجلس يعقده نقيب العلويين بنيسابور أبو عليّ للغناء، ويكون من حضّاره البديع، ثم يدعى إليه أبوبكر؟ وكوتب أبوبكر بالحضور فاعتذر، فما كان من أهل المجلس إلّا أن يحرجوا أبابكر فيبعثوا إليه بمركوب يجيء به إليهم، فدخل وهو يتحدّث عن سباق وعن حبالة [107] وكأنه يعلم بما يراد به، ولكنّه يريد أن ينأى بنفسه عنه. [105] كشف المعاني: 36. [106] السابق: 37. [107] ينظر السابق: 39- 40.