وقال آخر لنوح بن دراج حين استقضى على الكوفة.
يأيّها النّاس قد قامت قيامتكم ... اذ صار قاضيكم نوح بن درّاج
لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت ... كفّاه ناجية من نقش حجّاج
وكان الذى دعاه الى ذلك ان أكثر القراء والفقهاء كانوا من الموالى، وكانوا جل من خرج عليه مع ابن الاشعث، فاراد أن يزيلهم من موضع الفصاحة والادب، ويخلطهم بأهل القرى فيخمل ذكرهم، وكان سعيد بن جبير منهم- كان عبد رجل من بنى أسد اشتراه من ابن العاص فأعتقه- فلما أتى به الحجاج قال: يا شقى بن كسير، «1» أما قدمت الكوفة، وليس بها عربى؟ واستقضيت أبا بردة بن موسى، وامرته ألا يقطع أمرا دونك؟ وجعلتك فى سمارى «2» وكلهم من رؤوس العرب؟ وأعطيتك ألف ألف درهم تفرقها فى أهل الحاجة لم أسألك عن شىء منها؟ قال: بلى. قال: فما أخرجك على؟
قال: بيعة لابن الاشعث كانت فى عنقى. فغضب وقال: أفما كانت بيعة أمير المؤمنين فى عنقك من قبل؟ والله لاقتلنك! قال: انى اذا كما سميت سعيد، دعنى أصلى ركعتين، قال: ولوه الى قبلة النصارى، قال سعيد: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
«3» ثم بطح على الارض، فقال: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ
«4» ومدت عنقه فضربت، فاختلط عقل الحجاج فى الحال، فقال: قيدونا، فظنوا أنه يريد القيود التى فى رجل سعيد، فقطعوا ساقيه، وأخرجوا القيود، وما زال الحجاج مختلط العقل