وقال لكاتبه: اكتب له عهده ولا تؤخره، وأعطه من الرجال والكراع «1» والأموال ما سأل، قال عبد الملك بن عمير: بينا نحن جلوس فى المسجد الاعظم بالكوفة اذا أتانا آت فقال: هذا الحجاج بن يوسف، قد قدم أميرا على العراق فاشرأب «2» نحوه الناس، وأفرجوا له إفراجة عن صحن المسجد، فاذا نحن به يتبهنس «3» فى مشيته، عليه عمامة خز حمراء، منتكبا «4» قوسا عربية، يؤم المنبر، فما زلت أرمقه «5» ببصرى حتى صعد المنبر، فجلس عليه، وما يحدر «6» اللثام عن وجهه، وأهل الكوفة حينئذ لهم حال حسنة، وهيئة جميلة، وعز ومنعة، يدخل الرجل منهم المسجد ومعه عشرة أو عشرون من مواليه، عليهم الخزوز والقوهية، «7» وفى المسجد رجل يقال له: عمير بن ضابى البرجمى، فقال: لمحمد بن عمير التميمى، هل لك أن أحصبه؟ قال لا حتى أسمع كلامه، فقال:
لعن الله بنى أمية! يستعملون علينا مثل هذا، ولقد ضيع العراق حين يكون مثل هذا أميرا عليه، والله لو كان هذا كله كلاما ما كان شيئا، والحجاج ينظر يمنة ويسرة، حتى غص المسجد بأهله، فقال: يا أهل العراق! انى لا أعرف قدر اجتماعكم الا اجتمعتم، قال رجل: نعم- أصلحك الله- فسكت هنيهه لا يتكلم، فقالوا: ما يمنعه من الكلام الا العى والحصر، فقام فحدر لثامه، وقال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل ابن مسعود.