وقالوا لا يكره السماع إلا ذوو الطباع الفاسدة والأنفس الكدرة، كما أن الطيب لا يعافه «1» إلّا كل مأووف المشام، «2» وليس طرب من طرب على الغناء من أجل المعانى، لأن أكثرهم لا يفضله على معنى، وليست لأصوات البلابل والهزارات والقمارى والورشانات معان، وهى على ما نعرفها معجبة مطربة مذكرة لمعاهد الآلات وادمان التواصل والاسعاف، وذلك موجود فى أشعار العرب، كقول حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشوق الّا حمامة ... دعت ساق حرّ فى حمام ترنّما
عجبت لها أنّى يكون غناؤها ... فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما
ولم أر مثلى شاقه صوت مثلها ... ولا عربيا شاقه صوت أعجما
ودخل أبو تمام أبر شهر وهى نيسابور، فسمع فى بعض لياليه فيها مغنيه تغنى بالفارسية، فعشق صوتها، ثم أحضرها، فلما أكثر منها فتن بها، وما كان يعرف شيئا مما تغنى به، فقال:
حمدتك ليلة شرفت وطابت ... أقام سهادها «3» ومضى كراها «4»
سمعت بها غناء كان أولى ... بأن تنقاد نفسى من غناها
ومسمعة تفوق النّفس «5» حسنا ... ومن تصممه لا يصمم صداها