(4) ترتيب الجملة في اللّسان العربي
إذا أردْنا أن نصوغ جملة نبيّن فيها طلوع القمر أو عدمه، وجدنا أنفسنا أمام عَددٍ من الاحتمالات، مثبتين أو نافين:
(1) طلَعَ القمر، ما طلع القمر.
(2) القَمَرُ طَلَع، القمَرُ ما طلع.
(3) القَمَرُ طَالِعُ. القمر غير طالع. ليس القمر طالعا.
(4) ما طالعٌ القمر.
ولكن هل هذه الصيغ تقع في درجةٍ واحدةٍ من البيان، أم هي مختلفة، مع جوازها جميعاً في اللّسان العربي؟
يقول النحويّ هذه كلّها جائزة، ولكلٍّ منها عندي تخريجٌ إعرابي.
لكنّ البلاغيَّ يقول: إن صِيَغَ "طَلَعَ القمر - ما طَلَع القمر - ما طالعٌ القمر" تقال في مقام الإِخبار الابتدائي الذي لا حاجة فيه إلى تأكيد، أما صِيَغ "القَمَرُ طَلَع - القمرُ ما طَلَع - ليس القمرُ طَالعاً" فتقال في مقامٍ يحتاج فيه الخبر إلى نوع تأكيد، فإذا لم تكن حال المخاطب تقتضي تأكيداً فلا داعي لاستخدام هذه الصّيغ، إذْ جاء فيها إسناد الطلوع إلى القمر مرّتين، فالقمر فيها مبتدأ أو أصله مبتدأ، وفعل طَلَع مُسْنَدٌ إلى ضمير يعود على المبتدأ، والجملة هي خبر المبتدأ، واسم الفاعل "طالعاً" كالفعل يحمل ضميراً يعود على القمر.
فتغيير الترتيب في أركان الجملة نَجَمَ عَنْه إضافَةُ دلالة، فَعَلَى الْبَلاَغِيّ أن يُلاحظها لدى إنشاء الكلام، ولدى فهم النصوص البليغة الرّفيعة.
ولركني الإِسناد الرئيسين في الجملة الكلاميّة توابع، منها المفعول به،