وبعض متون العلم المكثّفة المختصرة هي من هذا القبيل، وقلّما يسلم التكثيف الشديد في الكلام من الإِخلال في الدلالة على المراد.
وفهم المكثّف من الكلام يحتاج إلى ملكات ذهنيّة عالية، أو إلى تدريب ممارسة طويلة، وتعلّم على أيدي أهل العلم.
وتخفّ الكثافة ببسط الكلام وتمديده، ويتدرّج ذلك في سلَّم كثير الدرجات، ولكنْ ليس لدينا ميزان نزن به كثافة الكلام، شبيه بميزان الكثافة الذي توزن به السوائل، فالمرجع في تحديد الكثافة أذواق العلماء والأُدباء، وملاحظة سهولة استساغة الكلام من قبل العامّة أو عدم ذلك.
وباستطاعتنا أنْ نقسِّم مستويات الكثافة في الكلام إلى ثلاث مراتب، ولكلِّ من هذه المراتب الثلاث درجات متفاوتات.
المرتبة الأولى:
هي مرتبة الكلام الموجز المختصر. ولهذه المرتبة عدّة درجات ما بين شديد الكثافة، أي شديد الإِيجاز والاختصار حتى مستوى الرمزيّة، وما بين كثافة يتحمّل الإِنسان العادي فهمها ولكن بشيء من الممارسة والتدرّب والتأمّل.
وعنوان هذه المرتبة عند علماء البلاغة: (الإِيجاز) . وتستخدم هذه المرتبة لدى اختبارات الذكاء، ولدى مخاطبة الأذكياء وكبار القوم وأمرائهم، بشرط أنْ يكون المخاطب بها قادراً على فهم المراد ولو بتأمُّل يسير، وبالنسبة إلى أحوال هؤلاء تداول الأُدباء قديماً عبارة (البلاغة الإِيجاز) .
وتستخدم هذه المرتبة في الخلاصات العلمية التي يعدّها طلاّب العلم للحفظ، وتَذَكُّرِ المسائل العلمية بها.
المرتبة الثانية:
هي مرتبة الكلام الذي هو متوسط البسط، وضابطه فيما أرى أن يكون لكلّ