بعد تحديد معالم النكرات يَحْسُنُ بيانُ دواعي اختيار النكرة في الجملة الكلامية.
***
تفصيل دواعي اختيار النكرة:
أذكر هنا طائفة من الدواعي أخْذاً ممّا ذكره علماء البلاغة، منبّهاً على أنّ الدواعي قد لا تنحصر فيها، فترك المعرفة واختيار النكرة في الكلام ممّا تتشعّب فيه أغراض البلغاء، وقد تتفَتَّقُ قرائح الّلاحقين منهم عن أشياء لم يتنبّه إليه السابقون، إذ الأمر ليس اصطلاحاً لغويّاً حتّى ينحصر فيما اصطلح عليه الأولون، بل هي أغراضٌ تُقْصَدُ بلاغياً من خلال استعمالٍ لغويّ قابل لدلالات كثيرة، ولا سيما حينما نلاحظ أنّ ذكر النكرة غير موصوفة قد يوحي بطيّ الصفة في اللّفظ مع ملاحظة معناها ذهناً، والنكرة قابلة لأن توصف بأشياء كثيرة جدّاً، فقد توصف بالشيء، وقد توصف بضدّه، وعند حذف الصفة يبقى لفظها محتملاً، لكنّ قرائن الحال أو قرائن المقال قد تشعر بطيّ صفة مع إرادة معناها، وقد تُشعر أحياناً أخرى بطيّ نقيضها مع إرادة معناه، ومن هنا تتنوع الدواعي والأغراض.
وفيما يلي أعرض ما أحصيته من دواعي اختيار النكرة:
الداعي الأول: الجهل بما يُعَرِّف المذكور بقسم من أقسام المعرفة، فيلْجأ المتكلم إلى التنكير، بإطلاق اسم غير مُعَيّن من أسماء النكرة، وهذا الاسم النكرة ينطبق على المتحدّث عنه وينطبق على غيره، مّما يشاركه في الصفات العامة، ويحصل بإيراد النكرة تخصيصٌ ما، وهذه فائدة تُقْصَدُ في الكلام، فمن قال لأبيه مثلاً: جاءنا رجلٌ وسأل عنك، فقد أفاده أنَّ سائلاً ما سأل عنه، وأنّ هذا السائل هو من صنف الرجال، لا من صنف النساء.
***