فالمفعول به الأوّل في: "أَلْبَسَ رَبَاحٌ زَوجته حُلَّةَ" أضاف إلى الجملة قيداً، هو أنّ الإِلْبَاسَ من رباحٍ قد كان لزوجته، فهي اللاّبسة له. والمفعول به الثاني أضاف قيداً آخر، هو أنّ الملْبُوسَ كان "حُلَّةً"، أي: لا نعلاً أو حِلْيَةً أوغطاءَ رأْسٍ أو غير ذلك.
وفي مثال: "أَعْلَمْتُ سَعيداً الْقَمَرَ بَازِغاً" نقول: إنّ المفعول به الأول وهو "سعيد" أضاف قيداً إلى الجملة، هو أنّ الإِعلام كان منّي لسعيد، وإنّ المفعول به الثاني والمفعول به الثالث قد أضافا قَيْدَيْنِ آخرين في الجملة، أحدهما أنّه حصل بُزُوغ، وثَانيهما أنّ هذا البزوغ هو بزوغ القمر.
وظاهرٌ أنَّ التَّقْييدَ بهذه الْقُيود في الكلام ممّا يُفيد تَرْبيةَ الفائدة بزيادة عناصرها لدَى المتلقّي.
وتتوارد بعد ذلك أغراضٌ بلاغيّة فوق تربية الفائدة، فقد يُكتَفَى بدلالة القرائن عن ذكر المفعول به، إلاَّ أن دواعِيَ بلاغيَّةً قَدْ تَدْعو إلى ذكره.
* كأن يكون المفعول به أمراً غريباً نادراً، ويَقْصدَ البليغُ أَنْ يَقْرَعَ به سَمْعَ المُْتَلقِّي أو نَفْسَه مع أوّل مرحلةٍ مناسبةٍ من مراحل كلامه، ومن الأمثلة على هذا قولُ الخزيمي يَرْثي أبا الْهيْذَام:
وَلَو شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَماً لَبَكَيْتُهُ ... عَلَيْهِ وَلَكِنْ سَاحَةُ الصَّبْرِ أَوْسَعُ
لقد كان يكفي الشاعِرَ أن يقولَ: ولَوْ شئتُ لَبَكَيْتُ عليه دماً، بحذْفِ مفعول: "شِئْتُ" كان يفكيه أن يقول: ولو شئتُ أن أبكي لبكيْتُ عليه دماً، بحذف مفعول: "أبْكِي" إلاَّ أنَّ المسارعة إلى تعريف المتَلَقِّي بأنّ حُزْنَه على فقده أبَا الهيْذام قد بلغ منه مَبْلَغَ أن يَبْكِيَ عليه دماً جعلَتْهُ يُصرِّحُ بما في نفسه، ويُسارعُ إلى ذكر الدّم عند أوّل مناسبَةٍ سَانِحَةٍ في كلامه.
* وَكأن يريد المتكلّم دَفْع تَوَهُّم إرَادة غير المراد، ومن الأمثلة ما صنعتُه