أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ ... مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
ومنه حديث الله عزّ وجلَّ عن نفسه بأسلوب الحديث عن الغائب في القرآن المجيد: مثل قول الله عزّ وجلَّ في سورة (البقرة/2) :
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الآية: 30] .
ومنه خطاب الله رسوله بقوله: {عَبَسَ وتولى * أَن جَآءَهُ الأعمى} [عبس: 1-2] .
وكان مقتضى الظاهر أن يقول: "وإذْ قُلتُ لِلْمِلاَئِكَة ... " وأن يقول لرسولِهِ: "عَبَسْتَ وتولَّيْتَ أن جَاءَكَ الأعمى".
ويُلَقّبُ الالتِفاتُ بشجاعة العربيّة، على معنى أنَّ الْبُلَغَاء مِنْ ناطقي العربية كانت لديهم شجاعةٌ أدبيَّةٌ بيانيّة استطاعوا بها أن يفاجئوا المتلقّي بالتَّنقُّل بَيْن طُرُقِ الكلام الثلاثة "التكلُّم - والخطاب - والْغَيْبة" مشيرين بذلك إلى أغراضٍ بلاغيَّة يريدون التنبيه عليها بذلك.
والالتفات من الأساليب البلاغيَّةِ ذَاتِ اللَّطَائف النفيسة، وقد تكرّر في القرآن المجيد استخدامه جداً، وله فيه أمثلة كثيرة.
وهو فنٌّ بديعٌّ من فنون القول يُشْبِهُهُ تحريكٌ آلات التصوير السينمائي بنقلها من مشهد إلى مشهد آخر في المختلفات والمتباعدات الّتي يُرادُ عَرْضُ صُوَرٍ مِنْها، ومفاجأة الْمُشَاهِدِ بلَقَطاتٍ مِنْها متباعدات، ولكنَّها تدخُلُ في الإِطار الْكُلّي الذي يُراد عرض طائفةٍ من مشاهده تدلُّ على ما يُقْصد الإِعلام به.
ويَهْدِي الذوقُ الأدبيُّ السليم إلى استخدام الالتفات استخداماً بارعاً يُحَقِّق به البليغ فوائد في نفس المتَلَقِّي أو فكره، مع ما يُحِقِّق به من الاقتصاد والإِيجاز في العبارة.