الغرض الأول: الإِشعار بكمال العناية بما اسْتُخْدِمَ للدلالة عليه الاسم الظاهر بدل الضمير، من أجل اختصاصه بحكم غريبٍ مثلاً، ومنه:
قول أحمد بن يحيى الراوندي:
كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقاً
هَذَا الَّذِي تَرَكَ الأَوْهَامَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النَّحْرِيرَ زِنْدِيقَا
فجاء اسم الإشارة "هذا" في مقام الضمير "هو" لتوجيه العناية تفكّراً في حكمة اللهِ بتقدير أرْزاق العباد، وإدراك أنّ الأرزاق قد تقتضي حكمة الله بأن تأتي وافرةً للجاهل، وتأتِيَ غير وافرة للعالم العاقل.
الغرض الثاني: التهكّم باستخدام اسم الإِشارة، ويُمْكن أن أُمَثِّل له بقولي:
قَالَ لِلأَعْمَى وَقَدْ أَزْعَجَهُ ... مِنْهُ إِنْكَارُ بُزُوغِ الْقَمَرِ
أَيُهَا الْجَاحِدُ هَذَا نُورُهُ ... سَاطِعٌ عَبْرَ غُصُونِ الشَّجَرِ
كان مُقْتَضَى الظاهر أن يقول له:
نُورُهُ يَخْتَرِقُ الأُفْقَ لَنَا ... فَنَراهُ مِنْ خِلالِ الشَّجَرِ
لكِنَّهُ أراد التهكم به لجحوده ما يراه المبصرون وهو أعْمَى، فاستخدم اسم الإِشارة، لإِشعاره بأنه لو كان يُبْصِر لرآه.
ومنه فيما أرى باستخدام الاسم المظهر، قولُ الله عزَّ وجلَّ في سورة (الأنفال/ 8 مصحف/ 88 نزول) خطاباً للكافرين:
{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح ... } [الآية: 19] .
أي: إن تطلبوا الفتح فقد جَاءَكَمُ الفتح، وكان مقتضى الظاهر أن يكتفى بالضمير فيقال: "إن تستفتحوا فقد جاءكم" ولكن جيء بالاسم المظهر للتهكم بهم، لأنّ الفتح وهو النصر الذي جاءهم كان عليهم ولصالح المسلمين..