نام کتاب : الشعر في خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي نویسنده : حسين عطوان جلد : 1 صفحه : 212
مقطوعاتهم بالمقدمات المعروفة، كالمقدمة الطللية أو المقدمة الغزلية، أو مقدمة وصف الظعن، أو مقدمة وصف الطيف، أو غيرها من المقدمات، وهم لم يصفوا الرحلة والراحلة، ولا حمر الوحش، ولا مناظر الصيد. فمقطوعاتهم تدور على موضوعات محددة لا يصح التفريع ولا الاستطراد فيها، بل يجب تكثيفها وتركيزها. أما القصائد الطويلة القليلة التي نظفر بها والتي تأنوا في نظمها، بحكم اتساع الوقت وانفساحه، فهي التي تطالعنا في أوائلها بعض المقدمات، مثل المقدمة الطللية، والمقدمة الغزلية، ومقدمة الحديث عن النفس وهمومها، وعن الجماعة وغاياتها. على أنهم تحولوا بالمقدمة الطللية من مرتبة الحذق والمهارة الفنية والبراعة في وصف الديار الدائرة، وبقاياها العافية، وما غيرها من عوامل الفناء، إلى صورة تنبض بالحنين إلى الوطن، والاشتياق إلى ديار الأهل في البصرة والكوفة. ومن أول الشواهد على هذا التحول مقدمة للمغيرة بن حبناء التميمي مهد بها لمديحه لقتيبة بن مسلم[1]، فقد نزع فيها نزوعا فياضا إلى بلاد قومه بالبصرة واغترابه عنها بفارس وهو يحارب الأزارقة مع المهلب بن أبي صفرة[2]، وقد استشهدنا بهاتين المقدمتين في موضعين آخرين، ونضيف إليهما مقدمة ثالثة لثابت قطنة، استهل بها مدحة له في نصر بن سيار، فإنهما توضح هذا التطور الذي أصاب المقدمة الطللية على أيدي شعراء العرب بخراسان: فهو يصور فيها حنينه إلى مسارح شبابه، ومراتع صاحبته، ويتألم لابتعاده عنها، واستقراره بخراسان، حيث تفصل بينه وبينها مسافات شاسعة وقفار وبحار، وحيث نزل بموطن مخوف نذر نفسه فيه لمصارعة الترك، وقاتلهم في معارك حامية متصلة، كان لهم الغلبة فيها تارة، وكان النصر حليف الترك فيها تارة أخرى، وبكت نساؤهم لاستشهاد فرسانهم مرة، وناحت نساء الترك على قتلاهم مرة ثانية، يقول3:
ما هاج شوقك من نؤي وأحجار ... ومن رسوم عفاها صوب أمطار4 [1] الطبري 8: 1226. [2] الأغاني "طبعة دار الكتب" 13: 87.
3 الطبري 9: 1510.
4 النؤي: الحفير حول الخيمة يقيها للسيول.
نام کتاب : الشعر في خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي نویسنده : حسين عطوان جلد : 1 صفحه : 212