نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 215
فهو يفر لا لأنه جبان، فهو إلى جانب فراره مقاتل شجاع، ولكن لأنه يرى أحيانا أن قتاله لا يجديه شيئا إلا أن يورده موارد هلاك، وهو مع ذلك لا يكف عن القتال إلا إذا لم يجد لنفسه مجالا فيه:
فإن تزعمي أن جبنت فإنني ... أفر وأرمي مرة كل ذلك
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا ما خفت بعض المهالك1
ولكن الأعلم يعلن في منتهى الصراحة والبساطة أنه حين تكاثر عليه أعداؤه فر منهم مسرعا، ولم يحاول قتالهم:
بذلت لهم بذي وسطان شدي ... غداتئذ ولم أبذل قتالي2
سرعة العدو:
ولا يكاد الشعراء الصعاليك يتحدثون عن شيء في مثل ذلك الإلحاح الذي نراه في حديثهم عن مغامراتهم كما يتحدثون عن سرعة عدوهم، ويبدو أن مرد هذا إلى أمرين: أولهما شعورهم بأنها ميزة تفردوا بها من بين إخوانهم في البشرية، وثانيهما إيمانهم بأنها من الأسباب الأساسية في نجاتهم من كثير من المآزق الحرجة. ومن هنا كان حديثهم عنها حديث المعجب بنفسه تارة، والمعجب بها تارة أخرى: المعجب بنفسه لأنه تفرد بها من سائر الناس، والمعجب بها لأنها كم أنقذته من أخطار أحدقت به.
وأحسب أننا لسنا في حاجة إلى القول بأن الشعراء الصعاليك الذين يتحدثوا عن سرعة عدوهم هم أولئك الذين تحدثنا عنهم في تفسيرنا الجغرافي لظاهرة الصعلكة وهم الصعاليك السرويون -كما يسميهم الأصمعي-[3] وبخاصة صعاليك هذيل وفهم والأزد، أما أولئك الذي لم يعرفوا بالعدو كعروة بن الورد فمن الطبيعي ألا يتحدثوا عن شيء لم يُعرفوا به.
ويتحدث الصعاليك العداءون من هذه الميزة حديث المعجبين بأنفسهم
1 ديوان الهذليين 2/ 169، وحماسة الخالديين "مخطوطة" ورقة 397.
2 شرح أشعار الهذليين 1/ 63. [3] فحول الشعراء "مخطوطة" ورقة رقم 15.
نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 215