نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 47
أشحاء لا ينتفع بمالهم أحد. في حين يحرم فيمن يحرم كرماء لو أعطاهم لنفعوا بمالهم أفراد مجتمعهم الفقراء المحتاجين، فهو يحرم هؤلاء الكرماء ما يكنزه أولئك البخلاء، ويحرمهم نتيجة لهذا فرصة التكافؤ الاجتماعي ومساواة إخوانهم في الإنسانية من الأغنياء الكرماء في شراء تلك الأحاديث الخالدة التي "تبقى والفتى غير خالد إذا هو أمسى هامة فوق صير" كما كان يقول عروة.
ووقف هؤلاء الصعاليك أمام هذه المشكلة الخطيرة، ولم يجدوا أمامهم -بسبب ظروف البيئة والمجتمع والمزاج الشخصي- ومن وسيلة يرضونها لأنفسهم إلا الاعتماد على القوة يغتصبون عن طريقها ما آمنوا بأنه حقهم المسلوب. "والخلة تدعو إلى السلمة" -كما يقول المثال العربي[1]، فمضوا خلف أولئك الأغنياء المترفين، وبخاصة البخلاء منهم، وتربصوا بالقوافل التجارية التي تسيل بها شعاب الجزيرة العربية، ينهبون ويسلبون، ولا يتورعون عن قتل من يعترض طريقهم؛ لأن المسألة أخذت في أذهانهم وضعا ثنائيا لا ثالث له: إما حياة كريمة، وإما ميتة كريمة، أما أنصاف الحلول فشيء لا يؤمنون به. لقد آمن هؤلاء الصعاليك بأن "الحق للقوة"، وأن الضعيف ضائع حقه في هذه الحياة، ورأوا أمامهم أولئك الصعاليك الفقراء المستضعفين وما يلاقونه من ذل وضيم وهوان، فرثوا لهم، وآلوا على أنفسهم أن يثأروا لهم ممن استضعفوهم، وأن يفرضوا أنفسهم فرضا على ذلك المجتمع الذي أذل إخوانهم الضعفاء.
هكذا رسم هؤلاء الصعاليك الأقوياء النفس والجسد خطتهم من أجل الحياة أولا، ثم من أجل فرض أنفسهم على مجتمعهم الذي لا يعترف بهم، وتحقيق صورة من صور العدالة الاجتماعية بين طبقات هذه المجتمع بعد ذلك، وهي خطة تقوم على أساس "الغزو والإغارة للسلب والنهب".
وأحاديث "الغزو والإغارة للسلب والنهب" تنتشر في أخبار هؤلاء الصعاليك وشعرهم انتشارا واسعا، بل لعلها أكثر ما ينتشر في أخبارهم وشعرهم [1] انظر القاموس المحيط، مادة "خلل".
نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 47