نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 75
الحشائش والأعشاب وما يشبهها من أنواع النبات التي تحتمل جفاف صيف طويل، والتي تحتاج إلى وقت قصير لنموها"[1]. وهكذا انحصرت حياة البدو دون تدخل منهم في الرعي، ما دامت الموراد الطبيعية التي لديهم قد حصرت ثروتهم في هذه القطعان. ومع ذلك فإن هذه الثروة النسبية التي يملكها البدوي ليست بالثروة المضمونة البقاء فإن "وباء ينتشر بين قطعانه، أو جدبا في المراعي، أو جفافا في الآبار، يضعه وجها لوجه أمام المجاعة، ويدفعه دفعا إلى السرقة والنهب"[2].
وكما كانت هذه البيئة الطبيعية عاملا في وجود الفقر كانت عاملا في إحساس الفقراء إحساسا قويا به، حين أوجدت في جوار المناطق المجدبة مناطق خصبة، مما أشعر أبناء المناطق المجدبة بأن الحياة لم تحرم الناس جميعا كما حرمتهم، وإنما أغدقت على طائفة من الناس ماء لا ينضب، وكلأ لا يجف، وثروة لا تهددها الطبيعة في كل لحظة بالفناء، بقدر ما سلطت عليهم من سياط الحرمان جفافا وجدبا وفقرا. والنتيجة النفسية لهذا -كما يقرر علماء النفس- نشأة "عقدة الفقر" في نفوسهم. ولو أن الطبيعة سوت بين أهل البادية جميعا في الفقر لما أحس أحد هذه الفوارق الطبقية التي تثير في نفوس الطبقة الفقيرة الثورة والتمرد، وهذا معنى قولنا إن ظاهرة "التضاد الجغرافي" تحمل مفتاحا من مفاتيح قصة صعاليك العرب.
ثم إن هذه البيئة الجغرافية خلقت من أبنائها رجالا أقوياء. فالصحراء -كما يقرر الدارسون- تربي في نفوس أبنائها "صفات الشجاعة والجرأة، والكبرياء العنيدة، كبرياء الرجال الأحرار"[3]، "وحياة الصحراء بما فيها من مخاطرة، واعتماد على النفس، تجعل من العربي أشجع الجنس البشري"4، [1] semple; influences of geographic environment, P. 483. [2] ibid,. P. 490. [3] ibid,. P. 510.
4 ibid,. P. 493.
نام کتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي نویسنده : يوسف خليف جلد : 1 صفحه : 75