نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 235
التصنع وتصنيع الخوارزمي
...
3- التصنيع وتصنيع الخوارزمي:
كانت صناعة الخوارزمي في رسائلة تقوم على التصنيع، وما يطوى فيه من سجع وبديع، على أن من يتأمل في هذه الصناعة يحس تسرب ضروب من الصنيع إليها، إذ كان الخوارزمي يعمد إلى ضروب من التهويلات والمبالغات، وكأنما قصر الموضوعات، التي كان يعالجها هو الذي أداه إلى هذه الصورة من التعبير، وانظر إليه يكتب إلى أحد تلاميذه، فيصف أيامه الماضية معه على هذا النحو1:
"كانت أرق من حاشية البرد، ومن طلوع السعد، وأحلى من إنجاز الوعد، وأعذب من القند[2]، بل من النقد، وأعبق من الورد، وما أردت إلا ورد الخد، بل من المسك والند، وأطيب من القرب بعد البعد، ومن الوصل في إثر الصد، بل كانت أرق من نسيم الزهر، في السحر، ومن قضاء الوطر، على الخطر، بل كانت أقصر من ليل السكارى، أو نهار الحيارى".
وأنت ترى أساس هذه التعبيرات كلها أنه يهول، ويبالغ في وصف الأيام الماضية، وما كان من حسنها وجمالها، ولكن انظر كيف أطال في نعته لها، وهي إطالة مقصودة، إذ كان يقصد بها إلى بيان مهارته في صوغ هذه الأسجاع التي تتقابل تقابلًا بديعًا على النحو، فإذا هي تتألف من أسجاع دالية أول الأمر، حتى إذا أثبت تفوقه في استخدام الدال، وأسجاعها انتقل إلى الراء يحوك منها ما يريد من سجع، وهو يوشي هذا السجع كله بالجناس، والطباق، والتصوير.
ونحن نتساءل: ما هذه الأوصاف كلها التي "يرصها الكاتب رصًا"؟ والحق أن هذا "الرص"، وما يتبعه من تراكم العبارات أصبح أصلًا من أصول صناعة
1 رسائل الخوارزمي ص11. [2] القند: عسل قصب السكر.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 235