نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 248
وذكر الحصري أن بديع الزمان ألف هذه المقامات معارضة لابن دريد، المتوفى عام321هـ، إذ يقول: إن البديع "لما رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثا، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخابها من معادة من فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها إلى الأفكار والضمائر، في معارض حوشية، وألفاظ عنجهية، فجاء أكثرها ينبو عن قبول الطابع، ولا ترفع له حجب الأسماع ... عراضة بأربعمائة مقامة في الكدية تذوب ظرفًا، وتقطر حسنًا"[1]، على أنه ينبغي أن نلاحظ أحاديث ابن دريد تخالف مقامات الهمذاني في موضوعها، إذ إن ما رواه له القالي في كتابه الأمالي، منها يدور غالبًا حول حكايات عربية قديمة، للتاريخ والحب فيها نصيب، بينما أقاصيص بديع العزمان تدور على التسول، والكدية ومع ذلك فالعلاقة بين العملين واضحة أولًا من حيث الاسم، فإن من معاني كملة مقامة التي اختارها بديع الزمان لقصصه "حديثًا"، وتجمع على أحاديث، وهو نفس الاسم الذي اقترحه ابن دريد لأقاصيصه، وثانيًا من حيث الغاية، فأحاديث ابن دريد، ومقامات بديع الزامان ألفتا لغاية واحدة، هي تعليم الناشئة اللغة.
والمقامات تصور حياة الأدباء السيارين، الذين كانوا يسمون باسم الساسانيين نسبة إلى ساسان، وهو شخص فارسي قديم يقال: إن أباه حرمه من الملك، فهام على وجهه محترفًا للكدية، ومن يقرأ في اليتيمة يجد طائفة الساسانيين هذه تحتل حيزًا في الحياة الأدبية للقرن الرابع الهجري، وهي تشبه تمام الشبه طائفة "الأدباتية"، التي اشتهرت عندنا بمصر في القرن التاسع عشر الميلادي، إذ كانوا يتخذون الأدب، والشعر، وما يتصل بهما من فصاحة وبلاغة وسيلة إلى كسب المال وابتزازه، ومن يرجع إلى بخلاء الجاحظ، يجده يعرض لهذه الطائفة وحيلها[2].
وقد تحدث عنها البيهقي في القرن الرابع[3]، وإذا استمررنا في هذا القرن إلى عصر بديع الزمان، وجدنا هذه الطائفة تتضح شخصيتها في الحياة الاجتماعية بأوسع [1] زهر الآداب للحصري 1/ 307. [2] البخلاء 1/ 86. [3] المحاسن والمساوئ للبيهقي طبع أوربا ص622.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 248