نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 25
إلى أن الأمثال تجري في لغة التخاطب، وأحاديث الناس اليومية العادية، وقلما نمق أصحاب هذه الأحاديث لغتهم، أو حاولوا أن يوفروا لها ضروبا من الجمال الفني البديع، ومن ثم كان كثير من الأمثال الجاهلية يخلو خلوا تاما من المهارة البيانية، وقد مر بنا أن طائفة منها تخرج على الأصول الصرفية والنحوية، ومن أجل ذلك قالوا: إنه يجوز فيها من الحذف، والضرورات ما لا يجوز في سائر الكلام[1].
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن الأصل في الأمثال أن لا تكون مصقولة، ولا مصنوعة؛ لأنها من لغة الشعب، وقلما نمق الشعب في لغته، غير أن كثيرا ما تصدر الأمثال عن الطبقة الراقية في الأمة: طبقة الشعراء والخطباء، فتحقق لها هذه الطبقة ضروبا من عنايتها العامة بفنها، وهذا هو مصدر الاختلاط في الحكم على الأمثال، فبينما نجد أمثالًا غير مصقولة نجد أخرى تفنن أصحابها في صوغها، وإخراجها في أسلوب بيلغ على شاكلة تلك الأمثال:
أنقى من مرآة الغريبة -كالمستجير من الرمضاء[2] بالنار- إن البغاث بأرضنا يستنسر[3] -وراء الأكمة ما وراءها- حلب الدهر أشطره[4] -يخبط خبط عشواء[5]- تطلب أثرا بعد عين[6] -في الجريرة تشترك العشيرة[7] عند الصباح يحمد القوم السري[8]- تحت الرغوة اللبن[9] الصريح -هدنة على دخن[10]- حال الجريض دون القريض[11] -رب صلف تحت الراعدة[12]- وقد يأتيك بالأخبار من لم تزود[13] -استنوق الجمل[14]- كذى العريكوى [1] المزهر للسيوطي 1/ 487. [2] الرمضاء: الأرض شديدة الحرارة. [3] البغاث: ضعاف الطير. يضرب مثلا للشخص يكون ضعيفا، ثم يقوى كالنسور في عالم الطير. [4] الأشطر: جمع شطر، وهي أخلاف الناقة. يضرب مثلا لمن عرك الدهر. [5] العشواء: الناقة ضعيفة البصر. يضرب مثلا في التعثر. [6] يضرب في فوت الحاجة. [7] الجريرة: الجناية. [8] السرى: السير ليلا. [9] الصريح: الخالص. [10] دخن: حقد. [11] الجريض: غصص الموت، والقريض الشعر. [12] الراعدة: السحابة، والصلف: قلة الخير والمطر. يضرب مثلا في البخل مع السعة. [13] تزود: تعطه الزاد. [14] استنوق: أصبح ناقة. يضرب مثلا لمن يظن أن فيه شجاعة ثم يظهر جبنه، وكذلك لمن يظن أن عنده رأيا، ويظهر عجزه.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 25