responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 257
أصابه، وهو معزول عن حكمة أثر في ذلك، وهو فراغ طال طولا شديدًا، نحو ثمانية عشر عامًا لم يكن له فيها أي عمل، فماذ يصنع؟ وكيف يمضي أوقات فراغه؟ هل يعمد إلى اللهو؟ كلا فإن العتبي يقول: "إنه فطم نفسه عن رضاع الملاهي"[1]، إذا فكيف يصنع بهذا الفراغ الهائل الذي امتد أيامًا، بل أسابيع وشهورًا، بل أعوامًا، بل ثمانية عشر عامًا؟ لقد اتجه إلى الأدب يقطع به هذا الفراغ، فهو يتخذه لهوه، أو قل: يتخذه لعبته، وقد تحولت عنده هذه اللعبة إلى ما يشبه لعبة الشطرنج، التي كانت شائعة في عصره.
فهو يمضي فيه الساعات الطوال، بل قل: الأشهر الطوال والسنين الطوال، يعبث به ويلعب بأسجاعه، ويحاول أن يصل في أثناء هذا العبث، واللعب إلى ما لم يصل إليه أي كاتب في عصره، أليس هو الأمير ابن الأمراء الذي كان آرباوه يجلسون على أسرة من ذهب[2]؟ إنه ليصنع -على طريقة كتاب عصره- فيحسن التصنيع، ولكنه يرى ذلك شيئًا عاديًا بالقياس إليه، وهو لا يعطيه ما يريده من تفوق عليهم، لذك نراه يجنح إلى فنون من التعقيد في أداء تصنيعه، وهي فنون تنتقل به، وبعمله إلى مذهب جديد هو مذهب التصنع، وهو مذهب جره إليه إغرامه بالإغراب في استخدام أدوات التصنيع، واستمع إليه يكتب إلى خاله الإصبهبذ، وهو أحد قائدين أيداه في العودة إلى ملكه، إلا أنه عاد فأخلد في أحد الحصول إلى جانب المجانبة[3]، فكتب إليه بهذه الرسالة4:
"الإنسان خلق ألوفًا، وطبع عطوفا، فما للإصبهبذ سيدي لا يحنى عوده، ولا يرجى عوده، ولا يخال لفيئته مخيلة، ولا يحال تنكره بحيلة، أمن صخر تدمر قلبه فليس يلينه العتاب، أم من الحديد جانبه، فلا يميله الإعتاب، أم من صفاقة دهر مجن نبوه، فقد نبا عنه غرب كل حجاج، أم من قساوته مزاج إبائه، فقد أبى على كل علاج، ما هذا الاختيار الذي يعد الوهم فهمًا،

[1] اليميني 2/ 16.
[2] معجم الأدباء 16/ 219.
[3] اليميني 2/ 14.
4 انظر كمال البلاغة، وهو يتضمن رسائل شمس المعالي قابوس بن وشمكير "طبع
المطعبة السلفية" ص53.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست