نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 261
8- ذيوع التصنع وانتشاره:
رأينا زخرف الجنتاس عند قابوس يتعقد تعقدًا شديدًا، ومن قبله رأينا الخوارزمي، وبديع الزمان يعقدان في فنهما ألوانًا من التعقيد، مما دفعنا إلى القول بأن عناصر من التصنع، أخذت تتسرب إلى آثار أصحاب مذهب التصنيع، وإن الإنسان ليخيل إليه، كأن كل شيء في الفن يريد أن يتعقد، ويتصعب، وليس هذا شيئًا غريبًا في تاريخ الحضارات، ولا في تاريخ الآداب في الأمم المختلفة، بل هو الشيء الطبيعي، إذ نرى الأمم حينما ترقى عقليا وحضاريًا تتحول من الأحوال الطبيعية في التعبير إلى أحوال جديدة، كلها تعقيد وتصعيب في الأداء والأسلوب، وقد حدث ذلك قديمًا عند اليوانان في القرنين الرابع، والخامس
أو يقبل بوجهه على من لا يجعله قبلته"، أو قوله: "هاجر يهجره، وأصر على صرمه، ومال إلى الملال، ولم يصل نار الوصال". وما نار الوصال هذه التي يريده أن يصلاها؟ إنها صورة غريبة، بل هي صورة شاذة نابية، ولكن قابوس لا يعني بما فيها من شذوذ، ونبو ما دامت تحقق ما يريد من جناس بين كلمة الوصال وكلمة أخرى، إلا فلتكن هذه الكلمة أي لفظة، ولتحو أي صورة، فإن ذلك لا يهم قابوس، ما دام يحقق له غاياته من جناساته.
وأكبر الظن أننا لا نبعد -بعد ذلك- إذا قلنا: إن صناعة قابوس كانت تقوم على التصنع، وما يطوى فيه من تعقيد وتعمل، إذ نراه يتعمل في حركات الكلمة، أو في حروفها ليحدث بعض جناسات بينها وبين غيرها، ثم هو لا يكتفي بذلك إذ نراه يعدل إلى تصعيب ممراته ليحدث جناساته اللفظية المقعدة، وكأنما كانت غاياته دائمًا هي التعصيب والتعقيد، وإنه ليركب إليهما طرقًا وعرة.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 261