نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 170
وإذا ثبت ذلك فلا حاجة إلى ما ذكر من تلك الخصائص والهيآت التي أوردها علماء البيان في كتبهم؛ لأنه إذا كان اللفظ لذيذًا في السمع كان حسنًا، وإذا كان حسنًا دخلت تلك الخصائص والهيآت في ضمن حسنه.
وقد رأيت جماعةً من الجهال إذا قيل لأحدهم: إن هذه اللفظة حسنة, وهذه قبيحة, أنكر ذلك، وقال: كل الألفاظ حسن، والواضع لم يضع إلا حسنًا!.
ومن يبلغ جهله إلى أن لا يفرق بين لفظة "الغصن" ولفظة "العسلوج", وبين لفظة "المدامة" ولفظة "الإسفنط", وبين لفظة "السيف" ولفظة "الخنشليل", وبين لفظة "الأسد" ولفظة "الفدوكس", فلا ينبغي أن يخاطب بخطاب، ولا يجاوب بجواب، بل يترك وشأنه، كما قيل: اتركوا الجاهل بجهله ولو ألقى الجعر[1] في رحله, وما مثاله في هذا المقام إلا كمن يسوي بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد, شوهاء الخلق, ذات عين محمرة وشفة غليظة كأنها كلوة، وشعر قطط[2] كأنه زبيبة، وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة، ذات خد أسيل[3]، وطرف كحيل، ومبسم كأنما نظم من أقاحٍ[4]، وطرة[5] كأنها ليل على صباح.
فإذا كان بإنسان من سُقْمِ النظر أن يسوي بين هذه الصورة وهذه فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوي بين هذه الألفاظ وهذه، ولا فرق بين النظر والسمع في هذا المقام، فإن هذا حاسة وهذا حاسة، وقياس حاسة على حاسة مناسب.
فإن عاند معاند في هذا وقال: أغراض الناس مختلفة فيما يختارونه من هذه الأشياء، وقد يعشق الإنسان صورة الزنجية التي ذممتها, ويفضلها على صورة الرومية التي وصفتها!
قلت في الجواب: نحن لا نحكم على الشاذِّ النادر الخارج عن الاعتدال، بل [1] الجعر: ما يبس من العذرة في المجعر, أي: الدبر، أو نحو كل ذات مخلب من السباع. [2] شعر قطط: شديد الجعودة، وفي التهذيب: القطط شعر الزنجي. [3] الأسبل من الخدود: الطويل المسترسل. [4] الأقاح والأقاحي: جمع الأقحوان وهو البابونج. [5] الطرة: الناصية.
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 170