نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 148
ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب إلى الديوان العزيز النبوي، وهو:
خلّد الله دولة الديوان العزيز النبوي، ولا زالت أكنافها وادعة، وعلياؤها جامعة، وجدودها كالنجوم التي ترى في كل حين طالعة، وأيامها كالليالي ساكنة ولياليها كالأيام ناصعة، وأبوابها كأبواب الجنة التي يقال فيها ثامن وثامنة إذا قيل في أبواب غيرها سابع وسابعة، وهذا الدعاء قد استجابه الله قبل أن ترفع إليه يد أو ينطق به ضمير، فإذا دعا به الخادم وجد صنع الله قد سبقه أولا وجاء هو في الزمن الأخير، فليس له حينئذ إلا أن يدعو لما خوّله الدّيوان العزيز بالدوام، وأن يعيذه من النقص من التمام، ثم يستهدي ما يؤهل له من الخدم التي يعتدها من لطائف الإحسان، وإذا ندب لتكليف أوامرها قال: والحمد والشكر يسجدان، ولا شك أنّ درجات الأولياء تتفاوت في الصفات والأسماء؛ فمنها ما يكون ببطن الأرض ومنها ما يرى كالكوكب في أفق السماء، ولولا النّهي عن تزكية المرء نفسه لادّعى الخادم أن له أعلاها، وجاء بالأولياء من بعده فقال: «والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها»
، لكنه لا يمن بما يعتده عند الله من ذخره، وسرّ الولاء في هذا المقام أكرم من جهره، وليس الذي يمنّ بصلاته وصيامه كالذي يمنّ بسرّ وقر في صدره، والله لا ينظر إلى الأعمال وإنما ينظر إلى القلوب، وفرق بين المطيع بمحضر الشهادة وبين المطيع بظهر الغيوب، ولو اطّلع الديوان العزيز على ضمير الخادم في الطاعة لسرّه، وعلم أنه الأشعث الأغبر الذي لو أقسم على الله لأبرّه.
في هذا الفصل من الآيات والأخبار عدة مواضع؛ وهذا الموضع مختص بالأخبار فلنذكرها دون الآيات: أما الأول منها فقوله النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم ترون أهل الدّرجات العلى في الجنّة كما ترون المواكب في أفق السّماء» ؛ وأما الخبر الثاني:
فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما فضلّكم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولكن فضلكم بسرّ وقر في صدره» ؛ وأما الخبر الثالث: فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ربّ أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبرّه» .
وفيما أوردته من حل المعاني الشعرية وحل آيات القرآن والأخبار النبوية طريق واضح لمن يقوى على سلوكه، والله الموفق للصواب.
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 148