نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 169
فإن لفظة «جفخ» مرّة الطعم، وإذا مرت على السمع أقشعرّ منها، وأبو الطيب في استعمالها كاستعمال تأبط شرا لفظة جحيش؛ فإن تأبط شرا كانت له مندوحة عن استعمال تلك اللفظة، كما أشرنا إليها فيما تقدم، وكذلك أبو الطيب في استعمال هذه اللفظة التي هي جفخت؛ فإن معناها فخرت، والجفخ: الفخر، يقال: جفخ فلان؛ إذا فخر، ولو استعمل عوضا عن جفخت فخرت لاستقام وزن البيت وحظي في استعماله بالأحسن، وما أعلم كيف يذهب هذا وأمثاله على مثل هؤلاء الفحول من الشعراء؟.
وهذا الذي ذكرته وما يجري مجراه من الألفاظ هو الوحشي اللفظ الغليظ الذي ليس له ما يدانيه في قبحه وكراهته، وهذه الأمثلة دليل على ما أوردناه، والعرب إذن لا تلام على استعمال الغريب الحسن من الألفاظ، وإنما تلام على الغريب القبيح، وأما الحضري فإنه يلام على استعمال القسمين معا، وهو في أحدهما أشد ملامة من الآخر.
على أن هذا الموضع يحتاج إلى قيد آخر، وذلك شيء استخرجته أنا دون غيري؛ فإن وجدت الغريب الحسن يسوغ استعماله في الشعر، ولا يسوغ في الخطب والمكاتبات، وهذا ينكره من يسمعه حتى ينتهي إلى ما أوردته من الأمثلة، ولربما أنكره بعد ذلك إما عنادا وإما جهلا؛ لعدم الذوق السليم عنده.
فمن ذلك قول الفرزدق «1» :
ولولا حياء زدت رأسك شجّة ... إذا سبرت ظلّت جوانبها تغلي «2»
شرنبثة شمطاء من يرتمي بها ... تشبه ولو بين الخماسيّ والطّفل «3»
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 169