نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 263
آبائه، ولو أنصف لهنّأ الأرض منه بوابلها، والأمة بكافلها، وخصوصا أرض مصر التي خصت بشرف سكناه، وغدت بين بحرين من فيض البحر وفيض يمناه.
وكل هذه الفصول المذكورة من هذه المكتوبات التي أنشأتها لا كلفة على كلمات اللزوم فيها.
وقرأت في كتاب الأغاني لأبي الفرج: أن لقيط بن زرارة تزوج بنت قيس بن خالد بن ذي الجدين، فحظيت عنده وحظي عندها، ثم قتل فآمت بعده وتزوجت زوجا غيره، فكانت كثيرا ما تذكر لقيطا، فلامها على ذلك؛ فقالت: إنه خرج في يوم دجن وقد تطيّب وشرب، فطرد البقر فصرع منها، ثم أتاني وبه نضح دم، فضمّني ضما، وشمّني شمّة، فليتني متّ ثمّة، فلم أر منظرا كان أحسن من لقيط، فقولها: «ضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني مت ثمة» من الكلام الحلو في باب اللزوم، ولا كلفة عليه.
وهكذا فليكن؛ فإن الكلفة وحشة تذهب برونق الصنعة، وما ينبغي لمؤلف الكلام أن يستعمل هذا النوع حتى يجيء به متكلفا؛ ومثاله في هذا المقام كمن أخذ موضوعا رديئا فأجاد فيه صنعته؛ فإنه يكون عند ذلك قد راعى الفرع وأهمل الأصل، فأضاع جودة الصنعة في رداءة الموضوع.
وقد سلك ذلك أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان؛ فمما جاء من ذلك قوله في حرف التاء مع الخاء:
بنت عن الدّنيا ولا بنت لي ... فيها ولا عرس ولا أخت
وقد تحمّلت من الوزر ما ... تعجز أن تحمله البخت
إن مدحوني ساءني مدحهم ... وخلت أنّي في الثّرى سخت
وله من ذلك الجيد، كقوله:
لا تطلبنّ بآلة لك حاجة ... قلم البليغ بغير جد مغزل
سكن السّما كان السّماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 263