نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 307
يسيرا، وكانت تستغرق صور هذا الكأس إلى مكان جيوبها، وكان الماء فيها قليلا بقدر القلانس التي على رءوسها، وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر.
وكذلك ورد قوله في الخمر أيضا:
يا شقيق النّفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم تنم
فاسقني الخمر الّتي اختمرت ... بخمار الشّيب في الرّحم
وهذا معنى مخترع لم يسبق إليه، وهو دقيق يكاد لدقته أن يلتحق بالمعاني التي تستخرج من غير شاهد حال متصور.
وبلغني أنه اختلف في هذا المعنى بحضرة الرشيد هرون رحمه الله، فقيل:
إنه يريد بخمار الشيب في الرحم أن الخمر تكون في جوانبها ذات زبد أبيض على وجهها، فقال الأصمعي: إن أبا نواس ألطف خاطرا من هذا، وأسد غرضا، فاسألوه، فأحضر وسئل، فقال: إن الكرم أول ما يجري فيه الماء يخرج شبيها بالقطنة، وهي أصل العنقود؛ فقال الأصمعي: ألم أقل لكم إن الرجل ألطف خاطرا وأسد غرضا.
وقد جاء لابن حمديس الصقلي في الهلال لآخر الشهر ما لم يأت به غيره، وهو من الحسن واللطافة في الغاية القصوى، وذلك قوله:
كأنّما أدهم الظّلماء حين نجا ... من أشهب الصّبح ألقى نعل حافره
وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر، إلا أنه أبدع في التشبيه.
وأمثال هذا كثيرة في أقوال المجيدين من الشعراء.
وجملة الأمر في ذلك أن الشاعر أو الكاتب ينظر إلى الحال الحاضرة ثم يستنبط لها ما يناسبها من المعاني، كما فعل النابغة في مدح النعمان وقد أتاه وفد من الوفود فمات رجل منهم قبل أن يرفدهم «1» ، فلما رفدهم جعل عطاء ذلك الميت
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت محيي الدين عبد الحميد نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين جلد : 1 صفحه : 307