نام کتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي نویسنده : عبد اللطيف محمود حمزة جلد : 1 صفحه : 357
أفلا ينتج عن هذا أن العمل الصغير التافة هو أشد ما يعترض الجنس البشريّ كله، وأن العقل يقوى على حلِّ أعظم المسائل وأشدها تعقيدًا وضخامةً، ولكنه يعجز عن مقاومة المشكلات الصغيرة التافهة؟
نعم، سنتمكن في آخر الأمر من إبادة الناموس، والذباب، وسائر الهوام الجالية للأمراض، وإذ ذاك نبدأ عراكًا من نوعٍ آخر نقاتل فيه الميكروبات، والجراثيم، والأشياء غير المنظورة، ونقاتل فيه ميكروبات الأمراض التي كان الناموس ينقلها، ويوصل أذاها إلينا، وهو عراك عنيف طويل, لا بد لنا من الفوز فيه بطريقةٍ أو بأخرى.
ولكن العبرة التي أسوق إليها القارئ من كل ذلك, هي أن الإنسان يجد مثل هذا العناء في المعارك الخلقية، والمعنوية التي تصادفه في حياته، فأصغر الأعداء فيها يحتاج إلى وقت طويل، وصبر أطول بما يحتاج إليه الإنسان في التغلب على أعظم الأعداء، وأقوى الأقوياء.
إنني أعتقد أننا لا نزال في دور الهمجية من حيث الأخلاق، والمعنويات، فنحن لا نزال نحارب جرائم القتل، وإحراق البيوت والزرع، ونحارب السرقة، وغيرها من الجرائم الكبيرة والعيوب الضخمة، وكما كان ساكن الكهوف يحارب الماموث، فنحن الآن نحارب هذه الوحوش الأخلاقية الشرسة الضخمة، وستزول هذه الوحوش الأخلاقية يومًا ما، وتتلاشى من الوجود، فلايرتكب الناس القتل، ولا يقترفون السرقة؛ إذ لا تكون هناك حاجة يومئذ إلى القتل، أو إلى السرقة متى أعيد تنظيم المجتمع على أسس أخرى!
عند ذلك فقط, نعود إلى محاربة المتاعب الخلقية والمعنوية الصغرى من حيث الإثم، والكبرى من حيث الخطر والفتك بالجنس البشرىّ, ونريد بهذه المتاعب الكثيرة، أو المخلوقات المعنوية الدقيقة: الرياء، والغطرسة، والأنانية، وحب الذات، وانعدام الرغبة في الإحسان،
مراحل إعادة الحديث الصحفي، ونموذج له
...
أن يبدأ استقصائي الأحوال في مراكش بهذا الجانب من الأنباء، وقررت تأدية الصلاة في حضرة السلطان.. وكانت الساعة الثانية عشرة قد انتصفت فيممت شطر المسجد الواقع مقابل القصر، ودلفت إليه، فلم أجد به إلّا قليلًا جدًّا من العاكفين على قراءة القرآن، فاستميزت بينهم واحدًا قعدت إلى جانبه بعد أن صليت ركعتين تحيةً للمسجد، فسمعته يرتل القرآن ويقرؤه بالقراءات السبع.
ودهشت إذ فاتت الساعة الثانية عشرة دون أن يزيد عدد الحاضرين بالمسجد إلّا قليلًا، وعلمت بعد ذلك أن ساعة الزوال في الرباط إنما هي الساعة الواحدة بعد الظهر!!
فظللت أشاهد الوافدين، والمتوضئين الحاملين معهم "سجاجيدهم". الصغيرة، وغير الحاملين، وأستمع للمرتلين القرآن علانيةً حتى الساعة الواحدة بعد الظهر، وأنا أغيِّر مواضع الساقين مني، تلمسًا للراحة في هذا الجلوس الطويل..
وعزفت الموسيقي، وتقدم فرسان الحرس ومشاته، وتحرك الركب السلطانيّ من القصر متجهًا إلى المسجد، ووقفت العربة السلطانية أمام نيابة الصغير، فدخل منه السلطان إلى مقصورته الخشبية.
وأذن المؤذن في الخارج، ودعا الداعي إلى الإنصات في الداخل، وألقى الخطيب الخطبة، ودعا فيها للخليفة محمد الخامس بالنصر والتأييد، وقامت الصلاة, ثم خرج رجال القصر، والوزراء، واصطفوا أمام المسجد تحيةً للسلطان؛ إذ يخرج ويمتطى هذه المرة جواده، ويعود إلى قصره، فأسرعت في الخروج واستطعت أن أقف إلى جانبه، وأحيي السلطان تحيته، فعرفني جلالته, وقد سبق أن حظيت بالمثول بين يديه منذ خمس سنين، وتفضل جلالته عليَّ بالسلام، فسجلت بهذا حضوري.
نام کتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي نویسنده : عبد اللطيف محمود حمزة جلد : 1 صفحه : 357