نام کتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية نویسنده : علي علي صبح جلد : 1 صفحه : 18
وبعد ذلك يأتي مؤثر متميز في شعر الجنوب، نبع من واقع البيئة العربية العريقة، وهو ما يتميز به أدب الجنوب من جمال الموقع، وسحر الطبيعة، وكرم السماء، وتعانق السحب، وفراهة الجبال، ويفاعة الآكام، وعمق الأودية، ورحابة السهول، وتدفق السيول، وتراسل الشلالات، وشموخ الأشجار المتعانقة، وعذوبة المياه الرقراقة، وتلاحم البسط الخضراء على قمم الجبال وفي السهول على السواء، في طبيعة أخَّاذه، وحياة ساحرة، وهواء طري منعش، ومناخ متقارب تتلاحم فيه فصول السنة في توافق وانسجام، فلا تدري في أيِّ فصل تكون، مع ما يتمتع به أهل الجنوب من برود الطبع، ودماثة الخلق، وسعة الأفق، وحِدَّة الذكاء، وغير ذلك مما يلهم الشعراء، ويعين على التأثر السريع بالمذاهب الأدبية التي تعشق الطبيعة، وتهيم بجمال الكون، وتذوب في سحر الحياة.
ويحتاج هذا المؤثر المتميز الأخير إلى توضيح أكثر للبيئة التي نبت فيها شعراء الجنوب "منطقة الجنوب"؛ حيث تنوعت فيها مشارب الشعراء، وتدفقت روافدهم من منابعها الصافية العذبة، واختلفت اتجاهاتهم الأدبية ومدارسهم الشعرية.
"الجنوب" منطقة واسعة تصل مساحتها إلى ربع المملكة العربية السعودية، يقطنها سكان كثيرون، في عشرة آلاف قرية تقريبًا، وعاصمتها أبها، ترتفع عن سطح البحر الأحمر بسبعة آلاف قدم، وفي القرى تكثر الزراعة والبساتين لأصناف كثيرة من الحبوب والفواكه والخضروات.
الأشجار الكثيفة والغابات الملتفة توجد في بعض مناطق الجنوب، مثل منطقة السودة، وتهلل، والباحة، وتمنية، وتهامة، والقرعاء، والجرة، والمحالة، وغيرها. أما مناخها فشبيه بمناخ لبنان في سحره وجماله في الصيف والخريف، ولا سيما في جبال السراة، وفي الشتاء والربيع تشتد البرودة، ويغطي الضباب جبالها وقراها أثناء الربيع من حينٍ لآخر[1].
ويصف الأستاذ يحيى إبراهيم الألمعي السودة وتهلل، التي ترتفع تسعة آلاف قدم:2 "فإنك تشعر بجمال الطبيعة وكمال حسنها؛ لما يتوفَّر فيها من مناظر خلَّابة، وأماكن شاعرية أخاذة، غابات تتعانق فيها الأشجار المخضرة المخضلة، وربوات ترى فيها الأزهار المورقة، ذات الألوان المختلفة، وتفوح منها رائحة عطرية عبقة، تتناثر في أجواء تلك الأماكن العالية.. ومن أشجارها المعروفة الوافرة: البلسان، والأثل، والعرعر، والأقحوان، وعندما يهب النسيم، نسيم الصبا، وتشرق شمس الأصيل على تلك الروابي والمرتفعات الشاهقة، تمتزج هذه العطور الفواحة مع الرذاذ الذي يتساقط على الأرض كالدر أو اللؤلؤ، من أثر الطل، حينئذ تستمتع بمنظر جميل [1] انظر: في ربوع عسير: محمد عمر. العهد الجديد - القاهرة 1954، تاريخ عسير في الماضي والحاضر. هاشم بن سعيد النعمي.
2 رحلات في عسير: يحيى إبراهيم الألمعي.
نام کتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية نویسنده : علي علي صبح جلد : 1 صفحه : 18