وقال أيضاً أخبرني محمد بن الحسين بن دريد قال: أخبرنا الحرماني عن العباس بن هشام عن أبيه: قال عتب بنت عفيف وهي أم حاتم الطائي ذات يسار، وكانت من اسخى الناس وأقراهم للضيف، وكانت لا تليق شيئاً تملكه، فلما رأى أخوتها إتلافها مالها حجروا عليها ومنعوها مالها، فمكثت دهراً لا يدفع إليها شيء منه، حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من مازن وكانت تأتيها في كل سنة تسألها فقالت لها: دونك هذه الصرمة فخذيها فوالله لقد أمضني من الجوع ما لا أمنع بعده سائلاً أبداً، ثم أنشأت تقول:
لعمري لقد ما عضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
حكاية
وحدث الهيثم بن عدي وقيل القاسم بن عدي عمن حدثه عن ملخان بن " أخي " ماوية امرأة حاتم قال: قلت لماوية: يا عمتاه حدثيني ببعض عجائب حاتم فقلت: كل أمره عجب فعن أيه تسأل؟ قلت: حدثيني ما شئت قالت: أصابت الناس سنة فأذهبت الخف والظلف فإني وإياه ذات ليلة قد اسهرنا الجوع، فأخذ هو عدياً وأخذت سفانة وجعلنا نعللنهما حتى ناما، ثم اقبل علي يعللني بالحديث لكي أنام، فرققت لما به من الجهد، فأمسكت عن كلامه لينام، فقال: لي أنمت؟ مراراً فلم أجبه، فسكت ونظر وشق الخباء فإذا بشيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة فقال: من هذا؟ فقالت: أنا يا أبا سفانة أتيتك من عند صبية يتعاوون كالذئاب جوعاً، فقال: أحضريني صبيانك فوالله لأشبعنهم قالت: فقمت سريعة فقلت: بماذا يا حاتم؟ فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعلل فقال: والله لأشبعن صبيانك مع صبيانها، فلما جاءت قام إلى فرسه فذبحها، ثم قدح ناراً فأججها، ثم دفع إليها شفرة وقال: اشوي وكلي، ثم قال لي: أيقظي صبيتك فأيقظتهما ثم قال: إن هذا للؤم تأكلون واهل الصرم حالهم مثل حالكم، فجعل يأتي الصرم بيتاً بيتاً فيقول: انهضوا؛ عليكم النار، قال فاجتمعوا حول تلك الفرس، وتقنع بكسائه وجلس ناحية. فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلا عظم وحافر، وإنه لأشد جوعاً منهم وما ذاقه.
حكاية
قال أبو الفرج أخبرني أحمد بن محمد البزاز الأطروش قال: حدثنا علي بن حرب قال: حدثنا هشام بن محمد قال: حدثنا أبو مسكين جعفر ابن المحرز بن الوليد عن أبيه قال: قال الوليد جده وهو مولى لأبي هريرة: سمعت محرز بن أبي هريرة يتحدث قال: كان رجل يقال له أبو الخيبري مر في نفر من قومه بقبر حاتم، وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهن نساء ينحن، قال: فنزلوا به فبات أبو الخيبري ليلته كلها يقول: أبا عدي أقر أضيافك قال: فيقال له: مهلاً ما تكلم من رمة بالية؟ فقال إن طيئاً يزعمون أنه لم ينزل به أحد وهو ميت إلا أقراه " كالمستهزئ " قال فلما كان في آخر الليل نام أبو الخيبري حتى إذا كان في السحر وثب، فجعل يصيح واراحلتاه، فقال له أصحابه: ويلك ما لك قال: خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي قالوا: كذبت قال: بلى فنظروا إلى راحلته فإذا هي مختزلة ما تنبعث قالوا لقد والله قراك، فذبحوها وظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه وانطلقوا، فساروا ما شاء الله ثم نظروا إلى راكب فإذا هو عدي بن حاتم قائداً جملاً أسود فلحقهم فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قالوا: هذا، فقال: جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك إياه وإنه أقرى راحلتك أصحابك، وقد قال في ذلك أبياتاً ورددها علي حتى حفظتها:
أبا الخيبري وأنت أمرؤ ... ظلوم البرية شتامها
فماذا أردت إلى رمة ... ببادية صيحت هامها؟
أتبغي أذاها وإعسارها ... وحولك غوث وأنعامها
وإنا لنطعم أضيافنا ... من الكوم بالسيف نعتامها
وقد أمرني أن أحملك على بعير فدونكه فأخذه وركبه وذهبوا
حكاية