لما حضرت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الوفاة دعا بنيه، وكانوا أحد عشر ابناً وكان عنده مَسلمة بن عبد الملك، ولم يخلِّف غير بضعة عشر ديناراً فأمر أن يكفن ويشرى له موضع يدفن فيه بخمسة دنانير ويفض الباقي على ورثته. فأصاب كل ابن نصفاً وربع دينار. فقال: يا بني ليس لي مال فأوصي فيه، ولكني قد تركتكم وما لأحدٍ قِبَلكم تَبعة، فلا تقع عين أحد منكم على أحد إلا ويرى له عليكم حقاً. قال له مسلمة: أَوَ خير من ذلك يا أمير المؤمنين. قال: وما هو، قال: هذه ثلاثمائة ألف دينار فرِّقها فيهم، وإن شئت فتصدق بها. قال: أَوَ خير من ذلك يا مسلمة قال: وما هو؟ قال تردها إلى من أخذتها منه، فإنها ليست لك بحق، فقال له مسلمة: رحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فقد ألنت منا قلوباً قاسية، وذكرتها وإن كانت ناسية، وأبقيت لنا في الصالحين ذكراً، فيقال أنه ما روئي قط أحد من أولاد عمر بن عبد العزيز إلا وهو غني. ولقد شوهد أحدهم وقد جهز من خالص ماله مائة فارس على مائة فرس في سبيل الله.
ولما حضر هشام بن عبد الملك الوفاة خلف أحد عشر ابناً كما خلف عمر فأَوصى فأصاب كل واحد من البنين ألف ألفِ دينار. فيقال أنه لم يُرَ أحد منهم قط إلا وهو فقير، وقد شوهد أحدهم وهو يوقد في أتون الحمام على ملء بطنه. حكاية
حدث أحمد بن موسى قال: قال الربيع: ما رأيت رجلاً أربط جأشاً ولا أثبت جناناً من رجل رفع عليه إلى أمير المؤمنين المنصور أن عنده ودائع وأموالاً لبني أمية. فأمرني بإحضاره، فأحضرته ودخلت به إليه. فقال له المنصور: قد رفع إلينا خبر الودائع والأموال " التي عندك " لبني أمية فاخرج إلينا منها. فقال: يا أمير المؤمنين أوارث أنت لبني أمية؟ قال: لا قال: فوصي لهم في أموالهم ورباعهم؟ قال: لا. قال: فما مسألتك عما في يدي من ذلك؟ فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه إليه وقال: إن بني أمية ظلموا المسلمين فيها، وأنا وكيل المسلمين في حقهم، وأريد أن آخذ ما ظلموا فيه المسلمين فأجعله في بيت مالهم. فقال: يا أمير المؤمنين تحتاج إلى إقامة البينة العادلة على أن ما في يدي لبني أمية مما خانوا وظلموا فيه دون غيره، فقد كان لنبي أمية أموال غير أموال المسلمين. قال: فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه إليه وقال: صَدَق يا ربيع ما يجب على الشيخ شيء. ثم قال: هل لك من حاجة؟ فقال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن تنفذ كتابي على البريد إلى أهلي ليسكنوا إلى سلامتي، فإنهم قد راعهم أشخاصي وقد بقيت لي حاجة أخرى يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قال: تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله ما لبني أُمية في يدي مال ولا وديعة، ولكني لما مثلت بين يديك، وسألتني عما سألتني عنه، علمت ما ينجيني منك إلا هذا القول، لما اشتهر من عدلك، فقلت: إن ذلك أقرب إلى الخلاص والنجاة. فقال: يا ربيع اجمع بينه وبين من سعى به فجمعت بينهما فعرفه، فقال: هذا غلامي سرق علي ثلاثة آلاف دينار من مال وأبق مني " وخاف من طلبي له فسعى بي عند أمير المؤمنين، قال " فشد المنصور على الغلام " وخوفه " فأقر أنه غلامه وأنه أخذ له المال الذي ذكره وأبق منه، وأنه سعى به كذباً عليه وخوفاً من أن يقع في يده، فقال المنصور للشيخ: نسألك أن تصفح عنه قال: قد صفحت عنه وعن جرمه وأعتقته ووهبت له الثلاثة آلاف التي أخذها وثلاثة آلاف أخرى. فقال له المنصور: ما على ما فعلته مزيد. قال: بل هذا حق كلامك يا أمير المؤمنين وانصرف. فكان المنصور يتعجب منه كلما ذكره ويقول: ما رأيت مثل ذلك الشيخ يا ربيع. حكاية
قيل أقام رجل على باب معن مدة لا يصل إليه، فلما طال مقامه كتب إليه رقعة فيها:
فما في يدك الخير يا معن كله ... وفي الأرض أسباب وفيها مذاهب
ستأتي بنات العمر ما أنت صانع ... إذا فتشت عن الإياب الحقائب
ووكل من يوصلها إليه وسار فلما وصلت إليه وقرأها أمر برده وقال: والله ليفتشن عن خير كثير، وأمر فملئت حقيبته دراهم. حكاية
قال بعض العرب خرجت في بعض الليالي السود فإذا بجارية كأنها صنم فراودتها عن نفسها، فقالت: يا هذا ما لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك زاجر من دين؟ فأخجلني كلامها، فقلت إنما كنت مازحاً، فقالت:
وإياك إياك المزاح فإنه ... يطمّع فيك الطفل والرجل النذلا