حدث علقمة قال حدثني الفصل بن زياد قال: حدثني أبو زيد بن نوفل قال: سمعت محرز بن ناجية الرصافي يقول: كنت أحد من وقعت عليه التهمة في مال مصر أيام الواثق، فطلبني السلطان طلباً شديداً حتى ضاقت علي الرصافة وغيرها من المدن، فخرجت أريد البادية مرتاداً رجلاً عزيز الجار، منيع الدار، أعوذ به، وأنزل عليه، حتى انتهيت إلى بني شيبان، فرفع لي بيت مشرف بظهر رابية منيعة وبفنائه فرس مربوط، ورمح مركوز، يلمع سنانه، ومن تحته حلة عظيمة، فدنوت ونزلت عن الفرس وتقدمت فسلمت على أهل البيت فرد علي السلام نساء من وراء السجف، ثم تقدمن فرفعن خلل الستور بعيون كعيون أخشاف الظباء، ثم تكلمت إحداهن فقالت: اطمئن يا حضري فلنعم مناخ الصديق أنخت. فقلت: وأنى يأمن المطلوب ويأمن المرغوب دون أن يأوي إلى جبل يعصمه، أو معقل يمنعه، وقليلاً ما يهجع من السلطان طالبه، والخوف غالبه. قالت: يا حضري قد ترجم لسانك عن ذنب كبير وقلب صغير وأيم الله لقد حللت بفناء بيت لا يضام فيه أحد، ولا يجوع فيه كبد، ما دام لهذا الحي سند، هذا بيت الأسون بن قنان، أخواله الأراقم، وأعمامه شيبان، صعلوك الحي في ماله، وسيدهم في فعاله، له الجوار ووقود النار، وطلب الثار، لا ينازع ولا يقارع، وبهذا وصفته أمامة بنت الجلاح الكلبية حيث تقول:
إذا شئت أن تلقى فتىً لو وزنته ... بكل معدي وكل يماني
وفي بهم حلماً وجوداً وسؤددا ... وبأساً فهذا الأسود بن قنان
فتىً كالفتاة البكر يشرق وجهه ... كأن تلالي وجهه قمران
أغر أبر ابني نزار ويعرب ... وأوثقهم عقداً بقول لسان
وأوفاهم عهداً وأطولهم يداً ... وأكرمهم فعلاً بكل مكان
وأضربهم بالسيف من دون جاره ... وأطعنهم من دونه بسنان
فتىً لا ترى بعمرك الدهر مثله ... ليوم نزال أو ليزم طعان
كأن العطايا والمنايا بكفه ... سحابان نهلان منهمان
قال: فقلت لها قد هدأت الروعة، وسكنت الوحشة، فمن لي به. قالت: يا جارية ادعي مولاك، فخرجت الجارية من مؤخر البيت فلم تلبث إلا قليلاً حتى جاءت وهو معها في جماعة من الحي، فنظرت فإذا بغلام شاب حين اخضر شاربه واختط عارضه وخشي جانبه، فقمت فسلمت فرد علي السلام ورحب وقرب، وقال: أي المنعمين علينا أنت، فسبقتني المرأة فقالت: يا أبا مرهف هذا رجل أحب جوارك، ورغب في قربك، نبت به أوطانه، وأزعجه سلطانه، وأوحشه زمانه، وقد ضمنا له عنك ما يضمن لمثله مثلك. فقال: بل الله فاك، وقال: اجلس فجلست وفي يدي يده. وأقبل على الجماعة بوجهه ثم قال: يا معشر بني أبي وذوي رحمي اشهدوا أن هذا الرجل في جواري وذمتي فمن أراده فقد أرادني، ومن كاده فقد كادني. ثم أمر فضرب لي بيت إلى جانب بيته، وأجرى علي ما أحتاج إليه. فلم أزل في جواره إلى أن هلك الواثق، وأنا عنده في أهنأ عيش، وأغبط نعم، فرحلت عنه وأنا من أشكر الناس له. حكاية
ذكر الأصمعي قال: كان لأبي حنيفة القاضي جار بالكوفة يغني، فكان إذا انصرف وقد سكر يغني وهو في غرفته فيسمعه أبو حنيفة فيعجبه وكان يكثر أن يغني هذا البيت من الشعر:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلقيه العسس ليلة فأخذوه وحبس، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة فسأل عنه من غد فأُخبر أنه حبس، فدعا بسواده وطويلته فلبسها وبكر إلى عيسى بن موسى وقال إن لي جاراً أخذه عسسك البارحة وحبس، وما علمت فيه إلا خيراً فقال عيسى بن موسى سلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذه العسس الليلة فأُطلقوا جميعاً. فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة ثم قال له سراً: ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة: " أضاعوني وأي فتىً أضاعوا " فهل أضعناك؟ فقال: لا والله أيها القاضي، ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك. قال: فعد إلى ما كنت تغنيه فإني آنس به ولم أر به بأساً قال له: أفعل. حكاية
قسل جاء أعرابي إلى طلحة فسأله وتقرب إليه برحم. فقال: إن هذه الرحم ما سألني أحد بها قبلك، إن لي أرضاً قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف، فإن شئت فاقبضها وأ، شئت بعتها من عثمان ودفعت إليك الثمن فاختار الأرض فأمر بتسليمها. حكاية