نام کتاب : المقال وتطوره في الأدب المعاصر نویسنده : السيد مرسي أبو ذكري جلد : 1 صفحه : 132
ولقد أتى على اللغة مئات من السنين بعد ذلك لم يزد فيها حرف بل لم يكد يحفظ منها ما يزيد على الحوائج البيئية والسوقية، وعلى تناقض وتراجع عددها يومًا بعد يوم، بما طرأ[1] على أهلها من الضغط والفاقة[2]، وما اتصل بذلك من استيلاء الجهل، وتقلص العمران، وذهاب الحضارة من بينهم، حتى عادت حوائج كثير من أهل المدن الحافلة لا تكاد تتعدى حوائج البدوي والأَكَّار[3].
وما دامت المعاني التي يعبر عنها باللغة معدومة، فلا سبيل إلى الألفاظ الدالة عليها؛ إذ اللفظ إنما يتخذ للعبارة عن الخواطر التي في التنفس، فلا يكون إلا على قدرها بالضرورة، وزاد على ذلك كله ذهاب ما كتب المتقدمون، بعضه بالإحراق كما تم في مكتبة قرطبة، وكان هذا في مقابلة ما وقع من مثله بالإسكندرية وفارس[4]، وبعضه بالاجتياح[5] والنهب، فلا بقي في مكانه ينتفع به المتأخر، ولا احتفظ به الذي نهبه لجهله قيمته.
وبقي الشيء اليسير نجده اليوم في مكاتب الأعاجم، وأكثره مما اشترى من أيدينا بالذهب. فلا غرو أن نشأ عن تلك أحوال كلها ذهاب هذه الأمة من ألسنة الأعقاب حتى لو رام أحدنا إثارة دفائنها وتعهدها بالتجديد والإحياء، لما وجد منها في البلاد إلا الشيء النزر[6] لا يعدو في الغالب علوم الدين، وما يتصل بها مما لم يكد أهل بلادنا، يحافظون على سواه"[7].
يؤكد اليازجي في مقاله أن اللغة لم توضع دفعة واحدة، وإنما توالدت ألفاظها حسب الحاجة؛ كي تؤدي ما يحتاجه الناس عملًا بسنة الاشتقاق والوضع والارتجال، فكشف النقاب عن إمكانيات اللغة العربية على استيعاب جميع المدنيات. والمقال يبرز قدرة اليازجي على توضيح ما يدور بخلده دون اللجوء إلى المترادفات في إبراز فكرته، وتصوير خواطره. [1] طرأ على أهلها: أصاب أهلها. [2] الفاقة: الحاجة والفقر. [3] الأَكَّار: الْحَرَّاث. [4] فارس: بلاد إيران "العجم". [5] الاجتياح: فتح الجيوش للبلاد، والدخول إليها عَنْوَةً. [6] النزر: القليل اليسير. [7] راجع إبراهيم اليازجي ص81- 87 العدد 14 من سلسلة نوابغ الفكر.
نام کتاب : المقال وتطوره في الأدب المعاصر نویسنده : السيد مرسي أبو ذكري جلد : 1 صفحه : 132