رآهما قويين نشيطين يجري دمهما في عروقهما صافيا رائقا وكأن كلا منهما يحاول أن يخرج من إهابه[1] مرحا ونشاطا، رآهما راضيين بما قسم الله لهما من خشونة الملبس وجشوبة[2] المطعم فلا يتشهيان ولا يتمنيان ولا ينظران إلى ذلك القصر الشامخ المطل عليهما نظرات الهم والحسرة، سمعهما يتحدثان فأصغى إليهما فإذا البستاني يقول لزوجه: والله لو وهب لي هذا القصر برياضه وبساتينه، وآنيته وخرثيه[3]، على أن تكون لي تلك الزوجة الخائنة الغادرة لفضلت العيش فوق صخرة في منقطع العمران، على البقاء في مثل هذا المكان، أقاسي تلك الهموم والأحزان، فقالت: لا أحسب أن سيدنا ينجو من خطر هذا المرض فقد مر به على حاله تلك عام كامل وهو يزداد كل يوم ضعفا ونحولا، قال: قد علمت أن الطبيب قد نفض يده من الرجاء فيه, وأضمر اليأس منه ولا عجب في ذلك فإنه ما زال يسرف على نفسه ويذهب بها المذاهب كلها حتى قتلها، قالت: ما أشقاه أكانت نفسه عدوة إليه فجنى عليها هذا الشقاء، وذلك البلاء، قال: ما كان عدوا لنفسه ولا كانت نفسه عدوة إليه ولكنه كان جاهلا [1] الإهاب الجلد. [2] جشوبة المطعم خشونته. [3] الخرثي أثاث البيت.