على أرباب الصحف. وأبدى شفقته وعطفه على أولئك المحررين الذي يكتبون في إدراة الجرائد وتنقضي حياتهم في ذل وضرع ونفاق ورياء إرضاء لمديري الصحف وأصحابها، وعاد باللائمة أخيرا على الأمة التي استهانت بالأدباء، ورمتهم مقيدين بين أيدي أصحاب الصحف السياسيين.
وفي سنة 1909 اختارته وزارة المعارف العمومية لوظيفة "محرر عربي" وكان ذلك في عهد وزارة الزعيم الوطني الكبير سعد زغلول باشا، وكان سعد من أصدقائه والمعجبين به. ثم انتقل بعد ذلك إلى "وزارة الحقانية"
وبعدها إلى الجمعية التشريعية، ثم إلى قلم "السكرتارية" في الديوان الملكي.
وكان في جميع أدوار حياته مثال الجرأة والإخلاص في العمل والصدق والأمانة والخلق العظيم.
وعين أخيرا في إحدى وظائف البرلمان المصري وظل فيها إلى أن استأثر الله به.
ويجب أن نذكر أنه في أول أدوار حياته حين كان يكتب في الصحافة تصدى لنقد بعض رجال السياسة
وجوهره، وأرى الخير فرأيت حسنه، وأرى الشر فرأيت قبحه، وأرى النعماء فرأيت ابتساماتها، وأرى البأساء فرأيت مدامعها، وأرى العيون فرأيت الحر السحر الكامن في محاجرها، وأرى الثغور فرأيت الخمر المترقرقة بين ثناياها، وكنت أرى الشمس فرأيت خيوطها الفضية الهفافة بين السماء والأرض، وأرى القمر فرأيت شعاعه كأنما يهم أن ينبسط حتى يفيض عن جوانبه فيضا، وأرى الفجر فرأيت بياضه وهو يدب في تجاليد[1] الظلام دبيب المشيب في تجاليد الشباب، وأرى النجوم فرأيت عيونها الذهبية تطل على الكون من فروج قميص الليل، وأرى الليل فرأيته، وهو يهوي بأجنحته السوداء إلى الأرض هوى الكرى إلى الأجفان، وكنت أسمع خرير المياة فسمعت مناجاتها، وحفيف الأوراق ففهمت نغماتها، وتغريد الأطيار فعرفت لغاتها، فأحببت الأدب حبا جما ملأ ما بين جانحتي، فلم تكن ساعة من الساعات أحب إلي ولا آثر عندي من ساعة أخلو فيها بنفسي، وأمسك علي بابي ثم أسلم نفسي إلى كتابي فيخيل إلي كأني قد انتقلت من هذا العالم الذي أنا فيه إلى عالم آخر من عوالم التاريخ الغابر، فأشاهد بعيني تلك العصور الجميلة عصور العربية الأولى، وأرى العرب [1] التجاليد الجسم.