ومنْ يزُرهنَّ يرجعْ من زِيارته ... وقد رأى من يقينِ الناسِ تبيانَا
ما إن رأيتُ ولا لاقَيتُ مِنْ حدثٍ ... إلا أراه صغيراً عِندَ شيبانَا
أنشدني عبد الله بن محمد بن عبيد الله قال: أنشدني أبو عبد الله البصري لمعبد بن طوق العنبري:
تلقى الفتى حذرَ المنية هارباً ... منها وقد حدقتْ به لا يشعرُ
نصبتْ حبائلها لهُ منْ حولهِ ... فإذا أتاهُ يومهُ لا ينظرُ
إن امرءًا أمسى أبوهُ وأمه ... تحتَ الترابِ لحقهُ يتفكرُ
تُعطى صحيفتكَ التي أمليتها ... فترى الذي فيها إذا ما تُنشرُ
حسناتها محسوبةٌ قد أُحصيتْ ... والسيئاتُ، فأي ذلك أكثرُ؟
حدثني الحسن بن إبراهيم بن سعدان بن المبارك، عن أبيه، عن جده، أن كنية المعافى: أبو علي، وكنية معبد: أبو الأسد.
عباد المخرق
يكنى أبا المظفر، وله أشعار وهجاء كثير، وكان أبوه شاعراً هجاءً.
ومن قول عباد أنشدنيه ابن أبي خيثمة عن دعِبل:
أنا المُخرق أعراض اللئام وقدْ ... كانَ الممزقُ أغراض اللئام أبي
لنْ أهجو الدهرَ إلا منْ له حسبٌ ... ولستُ أمدحُ إلا ثاقبَ الحسبِ
أنشدني ابن أبي خيثمة، عن دعبل، لأبيه الممزق:
إذا ولدتْ حليلةُ باهليٍّ ... غُلاماً زيدَ في عددِ اللئامِ
وعرضُ الباهليِّ وإنْ توقى ... عليهِ مثلُ مِنديلِ الطعام
ولوْ كانَ الخليفةُ باهليا ... لقصرَ عن مًساماةِ الكِرامِ
إذا ازدحم الكِرامُ على المعالي ... تنحى الباهليُّ عن الزِّحام
ومن شعر المخرق عباد بن الممزق وكان خليعاً:
كمْ وكمْ نفسي فدؤُكُمُ ... أُعملُ التردادَ في سِكَكِكْ
طامعاً إنْ تمَّ وصلكمُ ... في العقدِ منْ تِكَكِكْ
ومن قوله في شهر رمضان:
مرَّ بي أمسِ حبيبٌ ... أنا مُشتاقٌ إليهِ
فمضىَ لم أقضِ مِنهُ ... حاجةً كانتْ لديهِ
ثقلَ الشهرُ علينا ... ثقل اللهُ عليهِ
ومن قوله ومجونه:
فنك المُردَ فما من لذةٍ ... كمُلتْ إن لم تنهكمْ أوتنكْ
وقال في ذلك:
نعم الفتى مُقتبلاً وكهلاَ ... يعلوك أحياناً وحين يُعلى
كفى به راحلةً ورحلاَ
وقال يمدح محمد بن يحيى بن خالد:
إني حبوتُ مدحي ... منْ بالندىَ تمسكْ
مُحمدَ بنَ يحيى ... بن خالدِ بن برمكْ
ومن قوله:
إنْ يكنْ في الأرضِ شيءٌ حسنٌ ... فهو في دُورِ بني عبدِ الملكْ
ما يبالونَ إذا ما سئلوا ... ما مضىَ منْ مالهمْ أو ما تُركْ
حُجبتْ ألسنتهمْ من قولِ: لا ... فهي لا تحسنُ إلا: هُو لكْ
أبو عباد النميري
قيل رثى رباعيته ابن كاسب فقال:
بكتْ عيني رباعيةَ النميري ... أبي عبادَ بالدمع السفوحِ
وكانتْ حينَ يُبديها سناناً ... يصولُ بها على البطل المُشيحِ
فجادكِ يا رباعيةَ النميري ... سواكبُ كُلِّ سقاءٍ دلوحِ
فما إنْ ذمَّ نصركِ عند شرب ... تهيجَ للغبوقِ وللصبوحِ
إذا أمنَ العدوُّ نضالَ سنٍّ ... فليسَ عدوها بالمستريحِ
فكمْ أشللتِ منْ عضدٍ وكفٍ ... وكمْ أثرتِ منْ أثرٍ قبيحِ
قال الجاحظ: صار أبو عباد النميري مروان إلى بعض العمال فجعله استقار بيدر، فضيعه وما فيه، فلما عاتبه على ذلك قال:
كُنتُ بازاً أضربُ الكرْ ... كيَّ والطيرَ العِظامَا
فتقنَّصتَ بيَ الصَّعْ ... وَفأوْهنتَ القُدامى
وإذا ما أرسلَ البا ... زي على الصعْوِ تعامى
قال: وسرقه من أبي النجم:
يمرُّ بينَ الغانيات الجُهلِ ... كالصقرِ يجفو عنْ طرادِ الدخلِ