نام کتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 411
فبينا يضعه الأول موضعا مهينا ويحيل حيويته إلى الزحف في سبيل اللقمة، كان يريد من الثاني ان يفرض له على المجتمع مكانة مرموقة، وكان يضيق؟ وحق له - بلنكران الجاهم الذي يلقاه، ولعل إشارة صغيرة ذكرتها الأديبة الراحلة سميرة عزام هذا كله حين قالت: " لعل السياب لم يحسن في حياته إلا أن يكون شاعرا، هكذا كان يتأكد لي في كل مرة يقف فيها موقف المتهم من أصحاب المجلة أو مدير إدارتها، فأشفق عليه من هذا الحساب واتساءل: ألا يشعر السياب بأن له ظلا يلف المجلة ومن فيها؟ " [1] وقد حدثتني سميرة؟ رحمها الله - بنماذج من تلك الوقفات التي كان يقفها السياب مواجها التقريع والتعنيف وهو مطأطئ الرأس لا يستطيع ان يرد أو يثور مخافة أن يفقد مصدر عيشه.
وكان هذا الشعور يتحول في نفسه إلى حنق بالغ فلا يجد لذلك الحنق متنفسا سوى الشعر، وقد واكب هذا الحنق شعر السياب فكان انفعالا مديدا يريد ان يتجاوز الحد الطبيعي للقصيدة فيحولها إلى ملحمة؛ وهذه السورة التي تطغى حتى تجاوز كل حد هي التي جعلته يمعن في تصوير عهد الرعب ويتلذذ بذلك الإمعان، إذ كان الحنق هو المحرك القوي لطاقته الشعرية، وحسب المرء ان يقارن بين قصائد فترة الرعب وقصائد الفترة اليسارية ليدرك ان الغضبة الجازفة النابعة من شعوره الفردي كانت أشد من كل نقمة تعلمها من مبادئه الثورية ضد الاستغلال والاحتكار والاستعمار وضد الفئات التي تغتصب حقوق الشعب وتأكل خير الوطن وتسلط الشرطة والجيش على قمع مظاهرات الجائعين والمظلومين. ولهذا الحنق نفسه اختار ان يصور شخصيات مسحوقة الكيان أو الضمير ويضع على ألسنتها تمنيات بالتدمير والهدم والعدم، فهذه صورة حفار القبور: [1] أضواء: 44.
نام کتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 411