نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 130
في الجزيرة متباعدين؛ فقد تطلق قبيلة كلمة على مسمى، ولا تسمع بها القبيلة البعيدة، فتضعها لمسمى يضاده ويكون ذلك اتفاقًا ومحض صدفة، قال أبو عبيد في باب الأضداد من كتابه الغريب المصنف: سمعت أبا زيد بن أوس الأنصاري يقول: "السُّدْفة في لغة تميم الظلمة والسدفة في لغة قيس الضوء، ولمقت الشيء ألمقه لمقًا إذا كتبته في لغة بني عقيل وسائر قيس يقولون لمقته بمعنى محوته1" وعن ابن دريد: "خرج رجل من بني كلاب أو من سائر بني عامر بن صعصعة إلى ذي جدن "من أقيال حمير" فَأطلع إلى سطح، والملك عليه؛ فلما رآه الملك اختبره، فقال له: ثب أي اقعد، فقال: ليعلم الملك أني سامع مطيع، ثم وثب من السطح. قال الملك: ما شأنه؟ فقالوا له: أبيت اللعن! إن الوثب في كلام نزار الطفر "القفز"؛ فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم"[2] ولم يكن هذا التضاد بين لغة نزار الفصحى ولغة الجنوبيين الحميرية فحسب؛ بل كان أيضًا في كثير من الكلمات التي كانت تدور على ألسنة القبائل الشمالية لتباعد أوطانها ولا نريد أن نمضي في تصوير الاختلافات بين لهجات القبائل في الجاهلية، أكثر من ذلك، لسبب طبيعي وهو أننا لا نستطيع أن نستوعبها في صحف معدودة؛ إنما أردنا أن نكشف عن بعض جوانبها ليتضح أنه كانت في الجاهلية لهجات كثيرة، سجل منها اللغويون أطرافًا، ومن غير شك لم يسجلوها جميعًا لأنها لم تكن تعنيهم في حد ذاتها؛ إنما كان يعنيهم التنبيه على ما يخالف الفصحى التي نظم بها الشعر الجاهلي ونزل بها القرآن الشريف، ومن أجل ذلك لم ينصوا في أكثر الأحوال على القبيلة التي كانت تنطق باللهجة الشاذة، وأيضًا فإنهم مع نصهم أحيانًا على القبيلة لا نستطيع أن نتبين كما قدمنا هل كل أفرادها كانوا يصطنعون تلك اللهجة أو أن ذلك كان خاصًا ببعض عشائرها أو ببعض أفرادها. ولعل في هذا كله ما يوضح صعوبة دراسات اللهجات الجاهلية؛ فعلى الرغم من مادتها الوفيرة التي جمعها اللغويون تظل غير واضحة ويظل المجال واسعًا فيها للظن والتخمين، وخاصة حين نحاول أن نضع حدودًا للهجة قبيلة بعينها كلهجة تميم أو لهجة هذيل. ونفس القدماء اضطربوا في نسبة كثير مما نسبوه إلى القبائل، فتارة يجعلونه لتميم أو لعشيرة تميمية
1 المزهر 1/ 389. [2] المزهر 1/ 396.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 130