نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 136
لغات أقوام آخرين، وفي القرآن الكريم نفسه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} فالقرآن بشهادته إنما نزل بلغة قريش، وما دام المستشرقون يسلمون بأنه نزل بالفصحى، مع استثنائنا لفولرز وأضرابه؛ فإن هذه الفصحى إذن هي نفس لغة قريش التي لم يكن بها عوج من لغات أو لهجات شاذة كالعنعنة والكشكشة وكسر أول المضارع.
وربما كان من الأسباب التي ضللت المستشرقين أيضًا ودفعتهم عن محجة الصواب أنهم وجدوا اللغويين حين أخذوا يجمعون مادتهم اللغوية يرحلون إلى قبائل نجدية منحازين عن قريش، وكأنهم نسوا أن الزمن قد تغير وأن مكة دخلها أعاجم كثيرون في الإسلام وأن الفصحى فيها في أثناء القرن الثاني قرن جمع اللغة وتدوينها دخلتها شوائب من الأعاجم والموالي الذين كثروا فيها كثرة مفرطة، ومن أجل ذلك رحل اللغويون إلى قبائل نجد التي كانت لا تزال تحتفظ بصفاء لغتها. وقد شاع أن أفصح العرب لعصرهم عُليا هوازن وسفلى تميم وأسد وكنانة وهذيل. ويوضح أبو نصر الفارابي السبب في أنهم اقتصروا على تلك القبائل في جمع اللغة فيقول: "والذين عنهم نقلت العربية وبهم اقتُدي وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ولا عن سُكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم؛ فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للنبط والفرس، ولا من عبد القيس وأزد عُمان لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم1".
1 المزهر 1/ 211.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 136