نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 139
فهو يشبه رسوم الديار بالوحي أو الكتابة في الحجارة الرقيقة، ويقول: إن السيول جلت التراب عن الطول؛ حتى لكأنما آثار الديار كتبٌ طمست فأعبد بعضها على بعض وترك ما تبين منها؛ فهي مختلفة، ويقول الأخنس بن شهاب التغلبي1:
لابنة حطان بن عوف منازل ... كما رقش العنوان في الرق كاتب
ويقول الحارث بن حلزة اليشكري البكري2:
لمن الديار عفون بالحبس ... آياتها كمهارق الفرس
ويدور هذا التشبيه كثيرًا في أشعارهم؛ مما قد يدل على أن كثيرين منهم كانوا يعرفون الكتابة، بل إن فريقًا منهم، كما يقول الرواة، كان يعرف الكتابة الفارسية على نحو ما حدثونا عن لقيط بن يعمر الإيادي وعدي بن زيد العبادي[3]. ومما لا شك فيه أن الكتابة كانت شائعة في الحواضر وخاصة في مكة التاجرة, وفي السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء الأسرى القرشيين الكاتبين في بدر أن يعلم الأسير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة[4]، وكان من يكتبون بين يديه الوحي وفيما يعرض من أموره وأمور المسلمين في عقودهم ومعاملاتهم كثيرين[5]؛ فالكتابة كانت معروفة بل كانت شائعة في الجاهلية، ورويت أخبار متفرقة تدل على أن بعض الشعراء استخدمها بلاغًا شعريًّا لقومه في بعض ما حزبه من الأمر[6]. وغالى كرنكو فزعم أن نظم الشعر في الجاهلية كان مرتبطًا بها وبمعرفتها؛ بدليل اختلاف القراءات للفظة الواحدة، وأيضًا فإن استخدام الشاعر لبعض القوافي النادرة يدل على أنه كان يلاحظ العين أكثر مما يلاحظ الأذن[7].
1 المفضليات ص204 والرق: الجلد الرقيق.
2 المفضليات ص 132 والحبس بتثليث الحاء: موضع، وآياتها: علاماتها، والمهارق: الصحف. [3] أغاني 2/ 101 وطبعة الساسي 20/ 24 والشعر والشعراء "طبعة دار المعارف" 1/ 180. [4] طبقات ابن سعد 2/ 1: 14. [5] الوزراء والكتاب الجهشياري "طبعة الحلبي" ص 12. [6] انظر الباب الثاني في كتاب مصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد "طبع دار المعارف". [7] انظر مقالة له بعنوان The Use of Writing for the Preservation of Ancient Arabic poetry نشرت مع مقالات أخرى في كتاب: A Volume of Oriental Studies to E.G Browne, Edited by J.W. Arnold.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 139