نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 194
بعض الآلات الموسيقية. وقد يقوم له بالغناء في شعره قيان وجوقات مختلفة ترقص وتعزف في أثنائه. ويظهر أن الشعر أخذ في أواخر هذا العصر يستقل عن الغناء والموسيقى؛ فكان بعض الشعراء لا يغنيه؛ وإنما ينشده إنشادًا، والإنشاد مرتبة وسطى بين الغناء والقراءة.
ونحن إذا رجعنا إلى هذا الشعر وجدنا بقايا الغناء الموسيقي ظاهرة فيه ظهورًا بينًا، ولعل القافية هي أهم هذه البقايا التي احتفظ بها فهي بقية العزف فيه ورمز ما كان يصحبه من قرع الطبول ونقر الدفوف. ومثلها التصريع في مطالع القصائد وما كان يعمد إليه الشعراء أحيانًا من تقطيع صوتي لأبياتهم كقول امرئ القيس في معلقته يصف الفرس:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا ... كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
ويكثر هذا التقطيع في أشعارهم، ومن يرجع إلى معلقة لبيد التي يستهلها بقوله:
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها ... بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
يجده على شاكلة هذا المطلع يلائم كثيرًا بين الكلمتين الأخيرتين، وكأن للبيت قافيتين: داخلية، وخارجية، وكأنه يريد أن يهيئ لنفسه أو لمن يتغنى بقصيدته أن يرتفع بصوته في كلمتين متتاليتين. ولا نشك في أن صور الأوزان المتنوعة التي يمتاز بها الشعر الجاهلي إنما حدثت بتأثير هذا الغناء، وقد نفذوا منه إلى ضروب من التجزئة في بعض الأوزان، كمجزوء الكامل والمديد؛ بل نفذوا إلى أوزان خفيفة كثيرة كالمتقارب والرمل والهزج. وبدون ريب إنما كثرت التجزئة والتعديل في الرجز لأنه كان وزنًا شعبيًّا وكان كثير الدوران في حدائهم وفي كل ما يتصل بهم من حركة وعمل كحفر الآبار والمتح منها ومبارزة الأقران واستصراخ العشائر؛ فكثر فيه الحذف وكثر التحريف والتعديل كثرة مفرطة؛ حتى زعم الخليل أنه ليس من أوزان الشعر[1]، وهو شعر غير أن التغني به نغنيًّا كثيرًا حُدَاءً وغير حداء أحدث فيه تغيرات شتى. [1] انظر باب الرجز في العمدة لابن رشيق.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 194