نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 374
فالحمام يهيجه كما يهيجه النسيم الذي يهب من صوبها، وكما تهيجه الرسوم والأطلال؛ إذ يعبث الحنين بعقله وبقلبه، يقول في معلقته:
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ ... أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ1
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ ... مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
ودائمًا نراه يعبر عن ظمأ شديد إلى رؤيتها، لا لغاية حسية؛ ولكن ليمتع طرفه بجمالها، ومن أهم ما يلاحظ عنده أنه يقدم لها في معلقته وغير معلقته مغامراته الحربية؛ فمن أجلها يحارب ويستبسل في القتال، ومن أجلها يذود عن قومه ويحمي حماهم، ومن أجلها يسوق كل مناقبه ومحامده، وكان حين يشتد القتال يلمع خيالها أمام عينيه فيندفع كالثور الهائج، يقول:
وَلَقدْ ذَكَرْتُك والرِّماحُ نواهل ... منِّي وبيضُ الهندِ تَقْطُر من دمي
فوَدِدْتُ تقبيل السيوفِ لأنها ... لمعتْ كبارقِ ثَغْرِك المتبسِّمِ
فهو دائم الذكر لها في وغى الحرب؛ حتى حين تعبث به سيوف أعدائه ورماحهم. إنه من أجلها يحارب ويخاطر ويغامر؛ فلا غرو أن يذكرها في ساعات القتال الحرجة، فإذا هو يتحول إلى أسد ضار لا يعبس، بل يبتسم؛ لأنها تتراءى له من خلال بريق السيوف، فيؤمن بأنه منتصر.
وعلى هذا النحو تكاملت الفروسية عند عنترة؛ فلم تصبح فروسية حربية فحسب، بل أصبحت فروسية خلقية سامية، فيها الحب الطاهر العفيف الذي يجعل من المحبوبة مثلًا أعلى، والذي يرتفع صاحبه عن الغايات الجسدية الحسية إلى غايات روحية تنم عن صفاء النفس ونقاء القلب، وفيها التسامي عن الدنايا والنقائص الذي يملأ النفوس بالأنفة والإباء والعزة والكرامة والحس المرهف والشعور الدقيق. ويقال: إنه قتل في غارة له على بني نبهان الطائيين بعد أن تقدمت به السن؛ إذ أصابه أحد رماتهم بسهم من سهامه، ويقال: بل مات حتف أنفه[2].
1 أقوى وأقفر: خلا ممن كان يسكنه. [2] انظر الأغاني: 8/ 245.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 374