نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 399
وهذا الخبر إنما يفيد أنه كان عندهم صحيفة بها بعض أمثال وحكم مما كانوا ينسبونه إلى لقمان، ووجود مثل هذه الصحيفة لا يدل على أنهم استخدموا الكتابة في التعبير عن وجدانهم نثرًا وشعرًا؛ فقد كانت محدودة الانتشار بينهم، ومن التعسف أن نزعم ذلك لمجرد الظن؛ بينما تنقصنا أو تعوزنا النصوص الحسية. وإذا كنا نفتقد الأدلة المادية على وجود رسائل أدبية في العصر الجاهلي فمن المحقق أنه وجدت عندهم ألوان مختلفة من القصص والأمثال والخطابة وسجع الكهان. ومن المؤكد أنهم كانوا يشغفون بالقصص شغفًا شديدًا. وساعدتهم على ذلك أوقات فراغهم الواسعة في الصحراء؛ فكانوا حين يُرْخي الليل سدوله يجتمعون للسمر، وما يبدأ أحدهم في مضرب من مضارب خيامهم بقوله: كان وكان، حتى يرهف الجميع أسماعهم إليه، وقد يشترك بعضهم معه في الحديث، وشباب الحي وشيوخه ونساؤه وفتياته المخدرات وراء الأخبية كل هؤلاء يتابعون الحديث في شوق ولهفة.
ومن غير شك كان يفيض القَصَّاص على قصصه من خياله وفنه، حتى يبهر سامعيه، وحتى يملك عليهم قلوبهم فيحولهم من الشفقة إلى محبة الانتقام ومن الضحك إلى الجدّ. وعيونهم تلمع في وجوههم السمْر وقلوبهم تخفق من آن إلى آن. وليس بين أيدينا شيء من أصول هذا القصص الذي كان يدور بينهم؛ غير أن اللغويين والرواة في العصر العباسي دونوا لنا ما انتهى إليه منه. وطبيعي أن تتغير وتتحرف أصوله في أثناء هذه الرحلة الطويلة التي قطعتها من العصر الجاهلي إلى القرن الثاني الهجري، وإن كان من الحق أنها لا تزال تحتفظ بكثير من سمات القصص القديم ولا تزال تنبض بروحه وحيويته.
ويمكننا بواسطة ما دونه العباسيون أن نعرف ألوان هذا القصص الذي كانوا يتناقلونه بينهم، وربما كان أكثر هذه الألوان شيوعًا على ألسنتهم أيامهم وحروبهم وما سجله أبطالهم فيها من انتصارات مروعة وما منيت به بعض قبائلهم من هزائم منكرة. وقد ظلوا يقصون هذه الأيام والحروب إلى أن تناولها منهم لغويو القرن الثاني للهجرة ورواته؛ فدونوها تدوينًا منظمًا على نحو ما هو معروف عن أبي عبيدة في شرحه لنقائض جرير والفرزدق، وتوالى من بعده التأليف فيها والعناية بها على نحو ما تقدم في غير هذا الموضع.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 399