نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 84
وهي معرفة أداهم إليها فرط الحاجة، ويقول صاعد بن أحمد المتوفى سنة 435هـ: "كان للعرب معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغايبها، وعلم بأنواء الكواكب وأمطارها، على حسب ما أدركوا بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم إلى معرفة ذلك في أسباب المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق ولا على سبيل التدرب في العلوم1".
وبهذا القياس نفسه كانت معارفهم الطبية؛ فقد عرفوا بالتجربة مثل الكي بالنار وفوائد بعض العقارات النباتية، وكان ينتشر بينهم في تضاعيف ذلك كثير من الخرافات كإيمانهم بأن دم السادة يشفي من الكلب، وأن عظام الميت تشفي من الجنون وأن روحًا شريرة تحل في المريض، وكانوا يتداوون منها بالعزائم والرُّقى. فطبهم كان قاصرًا ولم يكن مبنيًّا على قواعد عقلية، وحقا ما يقول ابن خلدون: "للبادية.. طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه البعض؛ إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج، وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره2". ومن أهم معارفهم الطبية معارفهم البيطرية؛ وخاصة فيما اتصل بالخيل والإبل؛ فقد عرفوا شياتها وما يزينها ويعيبها وما يتصل بذلك من علل وأمراض وأدواء كالجرب وما كانوا يداوونه به.
وقد تحدثوا طويلًا عن حيواناتهم وخصائصها حديثًا بل أحاديث أفاد منها الجاحظ في حيوانه، وهو يعلق على ذلك بقوله: "وإنما اعتمد على ما عند الأعرب، وإن كانوا لم يعرفوا شكل ما احتاج إليها منها من جهة العناية والفلاية[3] ولا من جهة التذاكر والتكسب؛ ولكن هذه الأجناس الكثيرة ما كان منها سبعًا أو بهيمة أو مشترك الخلق؛ فإنما هي مبثوثة في بلاد الوحش من صحراء أو واد أو غائط أو غَيْضة أو رملة أو رأس جبل، وهي في منازلهم ومناشئهم، فقد نزلوا كما ترى بينها وأقاموا معها.. وربما بل كثيرًا ما يبتلون بالناب والمخلب وباللدغ واللسع والعض والأكل، فخرجت بهم الحاجة إلى تعرف حال الجاني والجارح والقاتل وحال المجني عليه والمجروح والمقتول، وكيف الطلب والهرب، وكيف الداء والدواء.
1 طبقات الأمم لصاعد "طبع بيروت" ص45.
2 المقدمة ص 346. [3] الفلاية: النظر العلمي.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 84