نام کتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر نویسنده : الحُصري القيرواني جلد : 1 صفحه : 125
ولا برحت حمر المنايا وسودها ... إلى بأسهم يوم الوغى تتحزّب
فما استمطروا للجود إلاّ تدفّقوا ... ولا استصرخوا للطّعن إلاّ تلبّبوا
إليك أمين الله في الأرض شمّرت ... عزيمة صبحٍ بالدّجى تتجلبب
يرى حظّه مستأخراً وهو أوّلٌ ... وآماله مغلوبة وهو أغلب
وأنت شبابٌ للذي شاب مقبلٌ ... إليه ووجهٌ للذي خاب ملحب
تقود أبيّات الأمور كأنّها ... إليك أسارى في الأزمّة تجنب
وتطعن في صدر الكتائب معلماً ... كأنك في صدر الدواوين تكتب
نداؤك أملى والجياد منابرٌ ... وأبطالها بالمشرفّية تخطب
أذمّ زياداً في ركاكة رأيه ... وفي قوله: أيّ الرجال المهذب
وهل يحسن التهذيب منك خلائقاً ... أرقّ من الماء الزلال وأعذب
تكلّم والنعمان بدر سمائه ... وكلّ مليكٍ عند نعمان كوكب
ولو أبصرت عيناه شخصك مرّة ... لأبصر منه شمسه وهي غيهب
إذا ذكرت أيامك الغرّ أظلمت ... تميم وقيس والرباب وتغلب
لقد صرّحوا بالمال لي وهو مبهم ... وقد عرّضوا بالقول لي وهو موجب
ولي همةٌ لا تطلب المال للغنى ... ولكنها منك المودّة تطلب
فإن كان قولي دون قدرك قدره ... فما أنا فيه في امتداحك مذنب
إذا كانت الأشياء دونك قدرها ... فغير ملومٍ أن يقصّر مسهب
زياد: هو النابغة الذبياني؛ وإنما عنى قوله في اعتذاره للنعمان بن المنذر:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه ... على شعثٍ أيّ الرجال المهذب
ألم تر أنّ الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملكٍ دونها يتذبذب
بأنّك شمسٌ والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
وإنما أخذ النابغة هذا من قول شاعر من كندة قديم:
تكاد تميد الأرض بالناس إن رأوا ... لعمرو بن هند غضبةً وهو عاتب
هو الشمس وافت يوم دجنٍ فأفضلت ... على كل نورس والملوك كواكب
من حياة المهلبي
والمدح في أبي محمد المهلبي كثير، وإنما يؤخذ من كل شيء ما اختير. وكان قبل تعلقه بحبل السلطان سائحاً في الأرض على طريق الفقر والتصوف. قال أبو علي الصوفي: كنت معه في بعض أوقاته، أماشيه في بعض طرقاته؛ فضجر لضيق الحال، فقال:
ألا موتٌ يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا رحم المهيمن روح حرّ ... تصدّق بالوفاة على أخيه
قال: فاشتريت له رطل لحم وطبخته له. ثم تصرف بنا الدهر وبلغ المهلبي مبلغه؛ قال أبو علي: فاجتزت البصرة واجتزت بأسلمان، فإذا أنا بناشطيات وحراقات وزيارب وطيارات في عدة وعدة. فقلت: لمن هذا؟ فقيل: للوزير أبي محمد المهلبي، فنعتوا لي صاحبي، فتوصلت إليه حتى رأيته، فكتبت رقعة واحتلت حتى دخلت، فسلمت وجلست، حتى إذا خلا المجلس رفعت إليه الرقعة، وفيها:
ألا قل للوزير بلا احتشام ... مقال مذكّر ما قد نسيه
أتذكر أن تقول لضيق عيشٍ ... ألا موتٌ يباع فأشتريه
فنظر إلي، وقال: نعم! ونهض وأنهضني معه في مجلس أنسه، وجعل يذكر لي كيف توافت حاله؛ وقدم الطعام فأطعمنا، وأقبل ثلاثة من الغلمان على رأس أحدهم ثلاث بدر، ومع آخر تخوت وثياب رفيعة، ومع آخر طيب وبخور؛ وأقبلت بغلة رائعة بسرج ثقيل؛ فقال لي: يا أبا علي؛ تفضل بقبول هذه، ولا تتأخر عن حاجة تعرض لك، فشكرته وانصرفت؛ فلما هممت بالخروج من الباب استردني وأنشدني بديهاً:
رقّ الزمان لفاقتي ... ورثى لطول تحرّقي
فأنالني ما أرتجي ... وأجار ممّا أتّقي
فلأغفرنّ له القدي ... م من الذنوب السّبّق
إلاّ جنايته لما ... فعل المشيب بمفرقي
العباس بن الحسين وآثاره
نام کتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر نویسنده : الحُصري القيرواني جلد : 1 صفحه : 125