نام کتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة نویسنده : أحمد زكي صفوت جلد : 1 صفحه : 116
فيجيبه الكاهن بأن لا علم عندي، حتى لم يدع كاهنًا عليه إلا كان إليه منه ذلك؛ فتضاعف قلقه، وطال أرقه، وكانت أمه قد تكهنت؛ فقالت له: أبيت اللعن أيها الملك، إن الكواهن أهدى إلى ما تسأل عنه؛ لأن أتباع الكواهن من الجان، ألطف وأظرف من أتباع الكهان؛ فأمر بحشر الكواهن إليه، وسألهن كما سأل الكهان، فلم يجد عند واحدة منهن علمًا مما أراد علمه، ولما يئس من طلبته سلا عنها، ثم إنه بعد ذلك ذهب يتصيد، فأوغل في طلب الصيد، وانفرد عن أصحابه؛ فرفعت له أبيات من ذرا[1] جبل، وكان قد لفحه الهجير؛ فعدل إلى الأبيات، وقصد بيتًا منها كان منفردًا عنها؛ فبرزت إليه منه عجوز؛ فقالت له: انزل بالرحب والسعة، والأمن والدعة، والجفنة المدعدعة[2]، والعلبة المترعة[3]، فنزل عن جواده، ودخل البيت؛ فلما احتجت عن الشمس، وحفقت عليه الأرواح[4]، نام فلم يستيقظ حتى تصرم الهجير؛ فجلس يمسح عينه؛ فإذا هو بين يديه فتاة لم ير مثلها قوامًا ولا جمالًا؛ فقالت: "أبيت اللعن أيها الملك الهمام! هل لك في الطعام؟ " فاشتد إشفاقه وخاف على نفسه لما رأى أنها عرفته، وتصام عن كلمتها؛ فقالت له: "لا حذر، فداك البشر، فجدك الأكبر، وحظنا بك الأوفر". ثم قربت إليه ثريدًا وقد يدًا وحيسًا[5]، وقامت تذب عنه، حتى انتهى أكله، ثم سقته لبنًا صريفًا وضريبًا[6]؛ فشرب ما شاء، وجعل يتأملها مقبلة ومدبرة؛ فملأت عينيه حسنًا، وقلبه هوى، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمي عفيراء، فقال لها: يا عفيراء، من الذي دعوته بالملك الهمام؟ قالت: "مرثد العظيم الشأن، حاش الكواهن والكهان، لمعضلة بعد عنها الجان"، فقال يا عفيراء: [1] أي في كنفه وستره. [2] الجفنة: القصعة، والمدعدعة: التي ملئت بقوة ثم حركت حتى تراص ما فيها، ثم ملئت بعد ذلك. [3] العلبة: قدح ضخم من جلود الإبل أو من خشب يحلب فيها، والمترعة: المملوءة. [4] الأرواح، وللرياح جمع ريح. [5] القديد: اللحم المقددة، أو ما قطع منه طولًا، ولا حيس: تمر يخلط بسمن وأقط، فيعجن شديدًا ثم يندر منه نواه "والأقط شيء يتخذ من المخيض الغنمي". [6] الصريف: اللبن ساعة حلب، والضريب: اللبن يحلب من عدة لقاح في إناء.
نام کتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة نویسنده : أحمد زكي صفوت جلد : 1 صفحه : 116