نام کتاب : جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع نویسنده : الهاشمي، أحمد جلد : 1 صفحه : 43
أقوال ذوي النبوغ والعبقرية في البلاغة
(1) قال قُدامَة: البلاغة ثلاثة مذاهبَ:
المُساواة: وهي مُطابقة اللَّفظ المعني: لا زائداً ولا ناقصاً.
والإشارة: وهي أن يكون اللفظ كاللَّمحة الدَّالة.
والتَّذييلُ: وهو إعادة الألفاظ المُترادفة على المعنى الواحد، ليظهر لمن لم يفهمه، ويتأكد عند من فهمه [1] .
أولاً - من التفكير في المعاني التي تجيش في نفسه، وهذه يجب أن تكون صادقة ذات قيمة، وقوة يظهر فيها أثر الابتكار وسلامة النظر وذوق تنسيق المعاني وحسن ترتيبها، فاذا تم له ذلك عمد إلى الالفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة، فألف بينها تاليفاً يكسبها جمالا وقوة.
فالبلاغة ليست في اللفظ وحده، وليست في المعنى وحده، ولكنها أثر لازم لسلامة تألف هذين وحسن انسجامهما، وقد علم أن البلاغة أخص والفصاحة أعم لانها مأخوذة في تعريف البلاغة - وان البلاغة يتوقف حصولها على أمرين - الأول: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود، والثاني: تمييز الكلام الفصيح من غيره- لهذا كان للبلاغة درجات متفاوتة تعلو وتسفل في الكلام بنسبة ما تراعى فيه مقتضيات الحال - وعلى مقدار جودة ما يستعمل فيه من الأساليب في التعبير والصور البيانية والمحسنات البديعية، وأعلى تلك الدرجات ما يقرب من حد الاعجاز، واسفلها ما إذا غير الكلام عنه إلى ما هو دونه التحق عند البلغاء باصوات الحيوانات العجم وان كان صحيح الاعراب: وبين هذين الطريفين مراتب عديدة.
(2) وقيل لجعفر بن يحيى: ما البيان؟ فقال: أن يكون اللفظ محيطاً بمعناك، كاشفاً عن مغزاك، وتخرجه من الشركةِ، ولا تستعين عليه بطول الفكرة› ويكون سالماً من التكلّف، بعيداً من سوء الصِّنعة، بريئاً من التعقيد، غنياً عن التأمل [2] .
(3) ومما قيل في وصف البلاغة: لا يكون الكلام يستحقّ اسم البلاغة حتى يُسابِقَ معناهُ لَفظَهُ معناه، فلا يكون لَفظه إلى سمعك أسبقَ من معناه إلى قلبك (3)
(4) وسأل معاوية صُحَاراً العَبديَّ: ما البلاغة؟ قال: أن تُجيب فلا تُبطىء، وتُصيبَ فلا تُخطىء [4] .
(5) وقال الفضل: قلت لأعرابي ما البلاغة؟ قال: الايجازُ في غير عَجز، والاطناب في غير خَطَلٍ [5] .
(6) وسُئل ابن المُقفع: ما البلاغة؟ فقال: البلاغة اسمٌ جَامِعٌ لمعانٍ تجري في وجوه كثيرة: فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الاشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون سَجعاً وخُطباً، ومنها ما يكون رَسَائلَ، فعامَّةُ ما يكون من هذه الأبواب - الوحيُ فيها، والاشارة إلى المعنى، والإيجاز، هو البلاغة.
فأمَّا الخُطبُ بين السِّماطينِ، وفي إصلاح ذاتِ البَينِ، فالإكثار في غير خَطلٍ، والاطَالَةَ في غير إملالٍ، وليَكن في صَدرِ كلامك دليلٌ على حاجتك، فقيل له: فإن مَلَّ المُستمعُ الاطالَة التي ذَكرتَ أنَّها حَقٌّ ذلك الموقف؟ قال: إذا أعطيتَ كل َّ مقام حَقَّهُ، وقَمتَ بالذي يجبُ من سياسة ذلك المقام، وأرضيتَ مَن يَعرفَ حقوقَ الكلام - فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدوّ، فإنه لا يُرضيهمَا شيء، وأما الجاهلُ فَلَستَ منه، وليس منك، وقد كان يقال: (رِضاء الناس شيء لا يُنال ([6]))
(7) ولابنِ المُعتّزّ: أبلغُ الكلام: ما حَسُنَ إيجازُهُ، وَقلَّ مَجَازُه، وكَثُر إعجازُه، وتناسَبت صُدُوره وأعجَازُه [7] .
(8) وسمع خالدُ بنُ صَفوَان رجلاً يتكلّم، ويكثرُ الكلام، فقال: اعلم (رحمك الله) أن البلاغة ليست بخفَّة اللّسان، وكثرة الهذيان، ولكنها بإصابة المعنى، والقصد إلى الحُجّة (8)
(9) ولبشرِ بن المعُتمرِ: فيما يجب أن يكون عليه الخطيب والكاتب رسالة من أنفس الرسائل الأدبية البليغة، جمعت حدود البلاغة وصوّرتها أحسَنَ تصوير، وسنذكر مع شيء من الإيجاز ما يتصل منها بموضوعنا - قال:
خُذ من نفسك سَاعةَ نشاطك، وفراغِ بالكَ، وإجابتها إيَّاك؛ فانّ قليلَ تلك الساعة أكرَمُ جَوهَراً، واشرفُ حسباً، وأحسّنُ في الأسماع، وأحلى في الصُّدُور، واسلمُ من فاحش الخطأ، وأجلَبُ لكل عَينٍ وغُرَّة: من لفظ شريف، ومعنى بديع.
واعلم أن ذلك أجدَى عليك: مما يعطيك يَومُكَ الأطولُ بالكَد والمُطاوَلة والمجاهدة، وبالتكلُّفِ والمعاودة.
وإيَّاك والتّوعُرَ؛ فإنّ التّوعر يُسلِمُك إلى التّعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيكَ، ويشين ألفاظَك، ومن اراد معنى كريماً فَليَلتمس له لفظاً كريماً، فإن حقَّ المعنى الشريف اللفظُ الشريف، ومن حقِهِّما أن تصونهما عما يفسدهما ويهُجِّنهما....
وكن في ثلاث منازل: فان أولى الثلاث ان يكون لفظكَ رشيقاً عذباً، وفَخماً سهلاً، ويكونَ معناك ظاهراً مكشوفاً، وقريباً معروفاً، إمَّا عند الخاصة: إن كنت للخاصة قَصَدت، وإمَّا عند العامة: إن كنت للعامة أرَدت، والمعنى ليس يشرُف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يَتَّضِعُ بان يكون من معاني العامة، وإنما مدار الشرف على الصواب، وإحراز المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال، وكذلك اللفظُ العامِّي والخاصِّي، فان أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك، وبلاغة قلمك، ولطف مَدَاخلك، واقتدارك على نفسك.
على أن تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسِعةَ التي لا تلطفُ عن الدّهمَاءن ولا تجفُو عن الأكفاء، فأنت البليغ التام.
فان كانت المنزلة الأولى لا تُواتيك ولا تَعتَريك، ولا تسنح لك عند أوّل نظرِك، وفي أوّل تكلّفك، وتجد اللفظة لم تقع مَوقِعها ن ولم تصل إلى قرارها وإلى حقَّها: من أماكنها المقسومة لها، والقافية لم تحُلَّ في مركزها وفي نصابها، ولم تصل بشكلها، وكانت قلقة في مكانها، نافرة من موضعها، فلا تُكرهها على اغتصاب الأماكن، والنّزول في غير أوطانها، فانك إذا لم تتعاط قرضَ الشعر الموزون، ولم تتكلّف أختيار الكلام المنثور، لم يَعبكَ بترك ذلك أحد، وإن انت تكلَّفته، ولم تكن حاذقاً مطبوعاً، ولا مُحكماً لسانك، بصيراً بما عليك أو مَالَك - عابك من أنت أقَلُّ عيباً منه، ورأى من هو دونَكَ أنهُ فوقك.
فإن ابتليتَ بان تتكلّفَ القول، وتتعاطى الصّنعة، ولم تسمح لك الطباع في أول وَهلة، وتَعصى عليك بعد إحالة الفِكرة - فلا تَعجَل ولا تضجَر، ودَعهُ بياض يومك، أو سوادَ ليلك، وعاودهُ عند نشاطك وفراغ بالك، فإنك لا تعدَمُ الإجابة وَالمُواتاة، إن كانت هناك طبيعة، أو جَرَيتَ من الصناعة على عِرق.
فإن تَمنَّع عليك بعد ذلك من غير حادث شُغلٍ عَرضَ، ومن غير طول إهمال - فالمنزلة الثالثة أن تتحوّل من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك، وأخفّها عليك ... ؛ لأن النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبَة، ولا تسمح بمخزونها مع الرَّهبَة، كما تجُودُ به مع المحبّة والشّهوة. فهكذا هذا.
وينبغي للمتكلم: أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين اقدار الحالات؛ فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامان ولكل حالة من ذلك مقامان حتى يقسِّم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسِّم أقدار المعاني على أقدار المقامات، واقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات.
وبعدُ، فاَنت ترى فيما قالوه: أن حدّ البلاغة - هو أن تجعل لكل مقام مقالا؛ فتوجز: حيث يحسن الإيجاز، وتطنب: حيث يجمل الاطناب، وتؤكد: في موضع التوكيد، وتقدم أو تؤخر: إذا رأيت ذلك أنسبَ لقولك، وأوفى بغرضك، وتخاطب الذكي بغير ما تخاطب به الغبي، وتجعل لكل حال ما يناسبها من القول، في عبارة فصيحة، ومعنى مختار.
ومن هنا عَرَّفَ العلماء «البلاغة» بأَنها: مطابقة الكلام لمقتضَى الحال مع فصاحة عباراته.
واعلم: أنَّ الفرق بين الفصاحة والبلاغة: أن الفصاحةَ مقصورةٌ على وصف الألفاظ، والبلاغةَ لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع المعاني؛ وأن الفصاحةَ تكون وصفاً للكلمة والكلام، والبلاغةَ لا تكون وصفاً للكلمة، بل تكون وصفاً للكلام، وأن فصاحة الكلام شرط في بلاغته؛
فكل كلام بليغ: فصيحٌ، وليس كل فصيح بليغاً، كالذي يقع فيه الإسهاب حين يجب الإيجاز.
تمرين
بيَّن الحال ومقتضاه فيما يلي:
(1) هنَاء محَا ذاك العزاء المُقدما فما عبس المحزونُ حتى تبسَّما (9)
(2) تقول للرّاضي عن إثارة الحروب (إن الحرب مُتلفةٌ للعباد، ذهَّابَةٌ [10] بالطّارف والتَّلاد)
(3) يقول الناس إذا رأوا لِصَّا. أو حريقاً: لصٌّ - حريقٌ [11] .
(4) قال تعالى (وَإنَا لاَ نَدرِي أَشَرٌّ أُريدَ [12] بمن في الأرض، أم أرَادَ بِهم رَبُّهُم رَشَدا)
(5) يقول راثى البرَامِكة [13] ..
أُصِبتُ بسَادةٍ كانوا عيوناً بهم نسقى إذا انقطعَ الغَمامُ
ملاحظات
(1) التّنافر - يُعرف (بالذوق) السلَّيم؛ والحِسِّ الصَّادق [14] .
(2) مخالفة القياس: تُعرف (بعلم الصرَّف) .
(3) ضعف التَّأليف والتَّعقيد اللَّفظي: يُعرفان (بعلم النحو) .
(4) الغرَابة: تُعرف بكثرة (الاطّلاع) على كلام العرب، والإحاطة بالمفردات المأنوسة. [1] نهاية الارب جزء 7 ص - 8. [2] نهاية الأرب جزء 7 ص 6.
(3) من كتاب البيان والتبيين للجاحظ جزء 1 - صحيفة 91. [4] نهاية الأرب جزء 7 ص 8.. [5] البيان والتبين للجاحظ جزء 1 ص 91. [6] البيان والتبيين جزء 1 ص 91، 92. [7] نهاية الأرب جزء 7 ص 11.
(8) مختار العقد الفريد ص 98.
(9) الحال هنا هو تعجيل المسرة - والمقتضى هو تقديم الكلمة الدالة على السرور - «وهي كلمة هناء» [10] الحال هنا هو إنكار الضرر من الحرب - والمقتضى هو توكيد الكلام. [11] الحال هنا هو ضيق المقام - والمقتضى هو الاختصار بحذف المسند إليه والتقدير، هذا لص، هذا حريق. [12] الحال في (أشر أريد) هو عدم نسبة الشر إلى الله تعالى، والمقتضى هو حذف الفاعل، إذ الأصل، أشر أرادة الله بمن في الأرض.
والحال في (أم أراد بهم ربهم رشداً) هو نسبة الخير إلى الله تعالى، والمقتضى بقاء الفاعل من غير حذف «أي فعل الارادة جاء مع الشر على صورة المبني للمجهول، ومع الرشد على صورة المبني للمعلوم، والحال الداعية إلى بناء الأول للمجهول (التأدب) في جانب الله تعالى بعدم نسبة الشر إليه صراحة، وإن كان الخير والشر مما قدره الله تعالى وأراده» . [13] الحال هنا هو الخوف من (الرشيد) ناكب البرامكة، والمقتضى حذف الفاعل من اصبت. [14] الذوق: في اللغة الحاسة يدرك بها طعم المأكل - وفي الاصطلاح - قوة غريزية لها اختصاص بادراك لطائف الكلام ومحاسنه الخفية، وتحصل بالمثابرة على الدرس، وممارسة كلام أئمة الكتاب، وتكراره على السمع، والتفطن لخواص معانيه وتراكيبه - وأيضاً تحصل بتنزيه العقل والقلب عما يفسد الآداب والأخلاق. فان ذلك من أقوى أسباب سلامة الذوق.
أعلم أن (الذوق السليم) هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه، لأن الألفاظ أصوات، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفر من صوت البوم والغربان، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبة متنافرة الحروف - ألا ترى أن كلمتي (المزنة والديمة - السحابة الممطرة) كلتاهما سهلة عذبة يسكن اليهما السمع بخلاف كلمة (البعاق) التي في معناهما فانها قبيحة تصك الأذن وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة تستطيع أن تدركه بذوقك - وقد سبق شرح ذلك
نام کتاب : جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع نویسنده : الهاشمي، أحمد جلد : 1 صفحه : 43