نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 131
ومن هذا الضرب قول الباردوي في رثاء زوجته: "من الكامل"
أيدي المنون قدحت أي زناد ... وأطرت أية شعلة بفؤادي
أوهنت عزمي وهو حملة فيلق ... وحطمت عودي وهو رمح طراد
ويد المنون: استعارة مكنية للموت، وقدح الزناد إخراج ناره، والفيلق: الجيش والكتيبة العظيمة، والشاهد قوله: "أوهت عزمي"، فالوهن أسند إلى يد المنون وهي سبب له وليست فاعلة، وقدح الزناد مثل يضرب لإثارة كوامن الأحزان والشجون، وكذلك إطارة الشعلة من الفؤاد تصوير لذهاب العقل عند الدهش والفجاءة بالأمر الجلل.
والصور في هذين البيتين كما نرى تتزاحم، ويدخل بعضها في بعض ... قدح الزناد، وإطارة شعلة الفؤاد ... وحطم العود وهي أيضًا صورة تمثيلية لبيان ضعفه وتخريب بنائه، ثم هناك تجوز في الإسناد في أوهت عزمي كما قلنا، والذي أريده أنه ينبغي أن نبين بدقة موطن المجاز، فلا يلتبس علينا، فنزعم مثلا أن قوله: أوهنت عزمي استعارة كأخواته، أو أن قوله: حطمت عودي مجاز في الإسناد؛ لأن هذا وإن صح مع الاحتجاج والتمحل، فإنه مفسد الشعر، واعلم أن المجاز في الإسناد يضفي على الجملة ظلا خادعا من التلوين يحسبه من لا خبرة له ببناء الأساليب تجوزا فيها، ألست ترى في قولنا: أنبت الربيع البقل الذي هو من أوضح أمثلة هذا المجاز نوعا من الخيال يوهمك أن الربيع مشبه بالحي القادر على ذلك، وانظر إلى قولنا: أهاجته ذكريات عذاب، ألست ترى ظلا من الخيال يوهمك أن الذكريات هنا مشبهة بحي يقع منه الفعل؟ نعم هذا كائن، ولذلك ذهب السكاكي إلى الناظر في المثبت له لا في الإثبات، وأدخل المجاز العقلي في قسم الاستعارة بالكناية تقليلًا للأقسام، وقد دفع هذا باعتراضات قوية قد نشير إلى بعضها، والمهم أن المتأمل للأساليب يلمح فرقًا بين المجازين في أكثر الصور، وإن كان يدق أحيانا، وعلينا أن نفسر كل صورة بما يناسبها، وبما هو الأظهر فيها من طرق البيان، فلا نتكلف ولا نلوي أعناق الاستعارة لنوجهها على طريق المجاز في الإسناد.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 131