نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 188
تجد قوله: وأنا قد فنينا، ذكر في المسند إليه، وكان يمكن الاستغناء عنه، ولكن الشاعر أراد أن يؤكد ذات قومه، ووجودهم القوي الفاعل في مواجهة وهم الأعداء، وأنهم قد أفنتهم، أو ضعضعتهم الحروب الطويلة، أقول: إن ذكر المسند إليه هنا تأكيد للذات، وإبراز لها في مواجهة ظن الفناء.
وفي سياق الهجاء تجد الشاعر يحرص على ذكر المهجو مع كل نقيصة يذكرها ليمرغه في هذه النقائص، ويذيع اقترانه بها، ولا يبرع في سياسة هذا الأسلوب إلا قلة من ذوي المواهب من الشعراء؛ لأن ذكر الأسماء وكثرة ترددها يثقل في الشعر، فإذا لم تتصرف الموهبة البصيرة بأسرار الصنعة كان ذلك سببا لسقوطه.
ومن هذا قول الحادرة الذبياني -يخاطب عامر بن صعصعة حين أرادوا غزو رهطه بني ثعلبة بن سعد: "من الطويل"
وذي كرم يدعوكم آل عامر ... لدى معرك سرباله يتصبب
رأت عامر وقع السيوف فأسلموا ... أخام ولم يعطف من الخيل مرهب
وسلم لما أن رأى الموت عامر ... له مركب فوق الأسنة أحدب
والسربال القميص والمرد به الدرع، والمركب الحدباء الصعبة والشديدة، ومرهب اسم رجل من بني عامر.
ذكر الشاعر عامر في البيت الثاني والثالث، وهو مذكور في البيت الأول فالسياق يدل عليه لو حذف ... كان يمكنه أن يقول: رأت وقع السيوف، وسلم لما أن رأى الموت له مركب حدباء، ولكنه أراد أن يستند إليها هذه الأفعال الدامغة إسنادا واضحا لا يكتفي فيه بالضمير، وإن كان يعود عليه؛ لأن التصريح يعمل في النفوس ما لا تعمله الضمائر، ففيه تشهير بهم لمثالبهم، فالإسناد وصف لهم بالفرق والضعف، وأنهم أسلموا أخاهم لما رأوا وقع السيوف، وهذا بالغ في الجبن والتخاذل، والفاء في قوله: فأسلموا لها
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 188