نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 278
-تعالى- في حكاية فرعون مع السحرة الذين آمنوا برب موسى وهارون، قال فرعون لهم: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قَالُوا لَا ضَيْرَ} [1]، فأجابوه بعد ما سمعوا قعقعة هذا الوعيد بقولهم: لا ضير -وأرادوا لا ضير علينا في قتلك، وحذفوا ليبقى الجواب كلمة واحدة نافذة كالسهم يصمي نفاجة فرعون وحمقه، ويرد عليه إرعاده وإبراقه.
ومثله قوله -تعالى- في وصف الاضطراب، والفزع وقت البعث وقيام الساعة: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} [2]، أي: فلا فوت لهم أي لا يفوتون الله، ولا يسبقون يد القدر، فحذف المسند وبقيت كلمة واحدة، وسياق السرعة الفائقة والحركات المتلاحقة جعل حسن الحذف لا يتناهى، وقد بني هذا التعبير على التركيز الشديد، وكأن كل كلمة فيه جمع هائل في هذا الحشد الذي ضم أطراف البشرية كلها من لدن آدم عليه السلام إلى آخر نفس تموت، وحذف الجواب يؤذن بمزيد من صور الهول التي لا تتناهى، ولا تنضبط ولا يصفها أبلغ بيان.
وقلت لك: إني لم أجد هذه الصور المتزاحمة بالخلق في كلام من نزل فيهم القرآن.
وقد يكون حذف المسند مظهرًا لأناقة العبارة، وقوة لمح المتكلم وحسن اقتداره، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين، وقد شكروا عنده الأنصار: "أليس قد عرفتهم أن ذلك لهم"؟ قالوا: بلى. قال: "فإن ذلك"، ويريد فإنك ذلك مكافأة لهم، ومنه قول عمر بن عبد العزيز لرجل
من قريش جاء يكلمه في حاجة له، فجعل يمت بقرابته فقال عمر: فإن ذلك، ثم ذكر الرجل حاجته [1] الشعراء: 49، 50. [2] سبأ: 51.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 278