نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 85
نهى عن النزر في القول، والإفراط في الهشاشة تطلعت النفس المتلقية إلى معرفة سبب ذلك، وصارت كأنها مترددة، فأسعفها بهذه الجملة المؤكدة، وتلك خصوصية بارزة في أسلوب ابن المقفع، وخاصة حين يجري قلمه بالتوجيهات الراشدة، والآداب النافعة، فمن ذلك وهو مثل سابقه: "احرص الحرص كله على أن تكون خبيرًا بأمور أعمالك، فإن المسيء يفرق من خبرتك، قبل أن تصيبه، قبل أن تصيبه عقوبتك، وإن المحسن يستبشر بعلمك قبل أن يأتيه معروفك، ليعرف الناس فيما يعرفون من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب، ولا بالعقاب فإن ذلك هو أدوم لخوف الخائف، ورجاء الراجي".
ومن المشهور في هذا الباب قصة أبي عمرو بن العلاء، وخلف الأحمر مع بشار في بيته المشهور: "من الخفيف"
بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير
فقد قال له خلف لما سمع القصيدة: "لو قلت -يا أبا معاذ- مكان أن ذاك النجاح- بكرا، فالنجاح كان أحسن"، فقال بشار: "إنما بنيتها أعرابية وحشية، فقلت: إن ذاك النجاح، ولو قلت: فالنجاح كان هذا من كلام المولدين، ولا يشبه ذلك الكلام، ولا يدخل في معنى القصيدة"، فقد أدرك بشار أن التوكيد في الأسلوب يجعله أشبه بالفطرة الأصيلة الصادقة، وذلك؛ لأنه لما أمر بالتبكير في صدر البيت أحس أن السامع صار في حاجة إلى أن يعرف علة هذا الأمر بصورة مؤكدة؛ ليكون ذلك أدعى إلى قبوله فأكد، ولو قال: فالنجاح هكذا كلاما مرسلا من غير توكيد لم تكن الصياغة أشبه بالفطرة الواعية لأسرار النفس، عبارة بشار أفضت إلى اختلاجة النفس المتلقية، واستشفت حاجتها إلى التوكيد، وجاءت على مذهب الكلام الأول.
ويكثر هذا الأسلوب في الكلام العزيز، انظر إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [1]، لما أمر بتقوى [1] الحج: 1.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 85