نام کتاب : دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق نویسنده : السيد أحمد عمارة جلد : 1 صفحه : 221
مضطر إلى أن يرى الموت آخر الحياة وغايتها، ولذلك فهو يسعى إلى الموت، يسعى إليه حين يغيث المستغيث، وحين يأخذ بحقه من لذات الحياة فيشرب الخمر مصطبحا حينا ومغتبقا حينا آخر، وهو يسعى إلى الموت حين ينفق من آيامه ما ينفق، مستمتعا بلذات الحب يسيرة ساذجة كما كان يتصورها ومن أجل ذلك، جعل لحياته أغراضها ثلاثة، لولاها لما حفل بالحياة، ولا اهتم بها، وهي شرب الخمر ونجدة المستغيث والإستمتاع بالنساء، ولو أنه عاش في بيئة معقدة غير بيئته, لتغير مثله الأعلى في الحياة، ولابتغي لنفسه لذات غير هذه اللذات[1]. [1] حيث الأربعاء: جـ 81/1. هل طرفة في لذته يمثل العصر الجاهلي؟
...
وهل كان طرفة في لذاته هذه يمثل العصر الجاهلي بحيث نعتبره صورة لما كان سائدا آنذاك؟ أم أنه انفرد بذلك من دون عصره؟
الحق أن إحدى هذه اللذات تعد مظهرا من مظاهر الحياة الجاهلية السائدة، فقد كانت نجدة الصريخ ومساعدة الضعيف مما افتخر به العرب جميعا في جاهليتهم, وعد من مكارم الأخلاق, ولا زال ذلك حتى اليوم، أما اللذتان أو الأمنيتان الأخريان، فلم تكونا عامتين بل اختص بها بعض الشباب الماجن من الخلعاء والمياسير، كامرئ القيس والمهلهل وغيرهما، ولم تكن إحداهن خلقا عاما تعتز به القبائل، بدليل أن طرفة يصرح بأن قبيلته ضاقت بهذا السلوك، ولم ترض عنه وأفردته إفراد البعير المعبد.
على أن سلوك طرفة لم يكن سلوكا عفويا ساذجا، وليس صورة للعبث والهذيان وإنما هي دليل على حقيقة نفسية لم تسفر أو تتضح في شعره، فالقضية بالنسبة له قضية خلود، أي قضية الحياة والموت، ما جدوى عمرنا إذا كان الموت سيدركه، وما جدوى السعادة والمال، بل ما جدوى الحياة بما فيها إذا كان الموت سيحيلنا عنها، ولذلك أقبل على لذاته ينتهبها كما لجأ إلى الخمر يخدِّر بها وعيه لتخفف عن كاهله وطأه الوعي والإدراك.
نام کتاب : دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق نویسنده : السيد أحمد عمارة جلد : 1 صفحه : 221